المناسبة :
بعد ذكر هذه الأحكام العامة المتعلقة بالفرد والجماعة ، أراد القرآن الكريم أن يرشدنا إلى خطر تركها أو العمل ببعضها ، بالكلام على الأمم السابقة الذين أوتوا الكتاب فنسوا حظا منه وعملوا ببعض ما فيه فكان الخطر عليهم إذ الله بهم وبنا محيط.
المعنى :
ألم ينته علمك أيها المخاطب إلى الذين أوتوا جزءا من التوراة ، وأما بقية الكتاب فلإهمالهم أمر التدوين والحفظ ضاع شيء منه. وبتلبيس رجال الدين وإنقاصهم منه تبعا لأهوائهم وتحريفهم ضاع جزء آخر ، ولذا وصفهم القرآن بأنهم (أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) وبقوله : (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) وأما قوله في موضع آخر : (أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) فلتسجيل تقصيرهم ، وقيل : المراد جنس الكتاب.
ألم تر إلى الذين أوتوا جزءا من الكتاب ، يستبدلون الضلالة بالهدى ويأخذون الكفر بدل الإيمان ، ويريدون منكم أن تضلوا معهم الطريق المستقيم ، والله أعلم بأعدائكم أيها المؤمنون ، فامتثلوا أمره ، واحذروا أعداءكم من أهل الكتاب وكفى بالله وليّا يتولى أمركم ، وكفى به نصيرا ينصركم إن نصرتموه (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).
ثم بين الله الذين أوتوا نصيبا من الكتاب وهم أعداؤنا فقال : من الذين هادوا نعم منهم قوم يحرفون الكلم الذي أنزله الله عليهم في التوراة عن مواضعه الأصلية بأن يزيلوه عن مواضعه أصلا أو يضعوه في غير مكانه ، وقيل : المراد يحرفونه عن معناه ، فيفسرونه بغير المراد تضليلا للناس وتلبيسا عليهم ، وقد فعل اليهود كل ذلك ، فغيروا وصف النبي صلىاللهعليهوسلم والبشارة به وفسروا الكلام بغير معناه كما في آية الرجم.
وهم يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم : سمعنا وعصينا ، بدل قولهم : سمعنا وأطعنا.
وكانوا يقولون حسدا وحقدا على النبي صلىاللهعليهوسلم واسمع غير مسموع لك دعاؤك أو غير مقبول منك ، ويحتمل واسمع غير سامع مكروها كما يقال : واسمع لا سمعت مكروها ، كانوا يخاطبون به النبي صلىاللهعليهوسلم استهزاء مظهرين إرادة المعنى الأخير وهم مضمرون في أنفسهم المعنى الأول.