المقاصد ، قال تعالى : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ). (أَدْبارِها) : جمع دبر وهو الخلف والقفا. والارتداد : الرجوع إلى الوراء في المحسوسات وفي المعاني. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ). (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) أو نهلكهم ، وقيل : نمسخهم. (افْتَرى) : اختلق.
المعنى :
يا أيها الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى : آمنوا بالقرآن المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم المصدق لما معكم من التوراة والإنجيل ، وقد وصفهم القرآن بأنهم أوتوا الكتاب مع أنهم ضيعوا جزءا منه وحرفوا جزءا آخر تسجيلا عليهم بالتقصير واستحقاق العقاب.
والأديان السماوية متفقة في الأصول العامة كالتوحيد ونفى الشرك وإثبات البعث والدعوة إلى كريم الأخلاق والقرآن الكريم مصدق لموسى وعيسى بهذا المعنى ، ومعترف بهما وبغيرهما من الأنبياء والرسل ، فكيف لا يؤمن أهل الكتاب بالقرآن وبمحمد؟ مع أنه جاء مصدقا لما معهم وموافقا لملة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بل تراهم غيروا وصفه صلىاللهعليهوسلم وبدلوا وأنكروا فقيل لهم : يا أهل الكتاب آمنوا بما أنزلنا من قبل أن نطمس وجوه مقاصدكم التي توجهتم إليها ، في كيدكم للإسلام وأهله ، ونردها خاسئة خاسرة إلى الوراء ، وذلك بإظهار الإسلام وإعلاء كلمته وافتضاح أمركم وكشف ستركم ، فالطمس والوجه والرد على الأدبار كلها أمور معنوية وقد تحققت ، أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ، وقد ورد أن الله أهلكهم ، وقد تم ذلك وتحقق الوعيد في كل المعاصرين بإذلال بنى النضير وإجلائهم ، وإهلاك بنى قريظة ، وبعضهم فسر الطمس والوجه والارتداد على الأدبار على أنها أمور حسية ، وتأول في تحقيق ذلك والله أعلم بكلامه ، وأنتم تعلمون أن وعيده في الأمم السابقة قد تحقق وحصل فاحذروا وعيده وخافوا عقابه إن وعد الله كان مفعولا.
بعد أن وعد الله أهل الكتاب وهددهم إن لم يؤمنوا ، وكان وعده مفعولا لا محالة ، ساق هذه الآية لتأكيد ما مضى وتقريره ببيان استحالة المغفرة بدون الإيمان فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون ، ويقولون : (سَيُغْفَرُ لَنا) على أن المراد بالشرك في الآية مطلق