الحرب كالهزيمة أو القتل مثلا قالوا : قد أنعم الله علينا وتفضل حيث لم نكن معكم ، ولئن أصابكم فضل من الله وانتصار على العدو قالوا : يا ليتنا كنا معكم فأخذنا نصيبنا من الغنيمة ، كأنه لم تكن بينكم وبينهم مودة وصلة ؛ إذ الصلة والمودة التي يظهرونها تقتضي أن يكونوا معكم في السراء والضراء ، والله أعلم بقلوبهم وما عندهم من الحسد والحقد ، ولكنه سمى مودة تهكما بهم وبحالهم.
وإذا كان هذا واجبكم نحو العدو والاستعداد له وقد عرفتم أن فيكم المنافقين الجبناء الذين لا يخلو منهم زمان أبدا. فليقاتل في سبيل الله ولإعلاء كلمته ونصرة دينه ـ دين الحق والعدل والكرامة والقوة والمدينة ـ أولئك المسلمون المخلصون الذين باعوا دنياهم الفانية بالآخرة الباقية ونعيمها الدائم حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى والله عزيز ذو انتقام ، والمقاتلون في سبيل الله ينتظرون إحدى الحسنيين إما الاستشهاد في سبيل الله وإما النصرة والغلبة على الأعداء ، وفي كلا الحالين سوف يؤتيهم الله أجرا حسنا ، وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان؟ وقد كان المسلمون الذين هم في مكة قبل الفتح ولم يتمكنوا من الهجرة في عذاب أليم وتعب مقيم فكانوا يلاقون من عنت الكفار الجبابرة الشيء الكثير ، وما قصص بلال وصهيب وعمار عنكم ببعيد!!.
وهؤلاء يقولون من شدة الألم : ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، واجعل لنا من لدنك وليا يلي أمورنا ويحمى ذمارنا ، واجعل لنا من لدنك نصيرا ينصرنا فقد عز الناصر وقل المدافع وسدت الأبواب إلا بابك يا كريم يا قوى يا حكيم.
والقتال الذي يضع القرآن سياسته ليس قتال ظلم وتعد وتوسع في الملكية واستعباد للشعوب كما نرى الآن ، وإنما هو قتال في سبيل الله ولإعلاء كلمة الحق والإنصاف : إنصاف الشعوب والأمم ، ولذا كانت الحركة الإسلامية تزحف على الشعوب وتجرف الأمم كالسيل المنهمر ، وظل الحال كذلك حتى ابتعد المسلمون عن الدين. فابتعدوا عن المثل العليا وضعف فيهم الوازع الديني فطمع فيهم كل طامع وغلبهم كل مغلب.
ولذا يحدد القرآن الغاية من القتال في الإسلام بقوله : الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ، وأما الذين كفروا فإنهم يقاتلون في سبيل الطاغوت الذي هو الظلم والجبروت والطغيان والتعدي على حقوق الأمم والأفراد ، فقاتلوا أيها المسلمون أولياء الشيطان