المعنى :
ألم ينته علمك إلى الذين قيل لهم لما دخلوا في الإسلام : كفوا أيديكم وامنعوا أنفسكم عن الحرب الجاهلية والإحن القبلية التي كانت تثار لأتفه الأسباب ، وأدوا الصلاة مقومة الأركان تامة بالخشوع والخضوع لله ، وأدوا الزكاة وغير ذلك من حدود الإسلام وتعاليمه التي ترفع صاحبها إلى مستوى المثل العليا.
من المسلمين الذين أمروا بالكف عن المنكرات والإتيان بالحسنات فريق كان يتمنى القتال لإرضاء شهوته في الاعتداء ، فلما فرض عليهم قتال المشركين بعد الهجرة إذا فريق منهم يخشون المشركين كخشيتهم لله أو أشد ، ويفرون من الحرب كأنهم مساقون إلى الموت ويقولون : ربنا لم فرضت علينا القتال؟ لولا تركتنا نموت حتف أنوفنا ولو بعد أجل قريب. أليس هذا عجبا؟ وأى عجب؟
قل لهم يا محمد : ما لكم تقعدون عن القتال حبا في الدنيا ، ومتاعها قليل فان والآخرة متاعها باق دائم لا كدر فيه ولا تعب؟ وهي لمن خاف الله وامتثل أمره وأخذ لنفسه الوقاية من عذابها فأنتم محاسبون على أعمالكم إن خيرا فخير وإن شرّا فشر ولا تظلمون فتيلا. وإن كان مثقال حبة من خردل لأى إنسان أتينا بها وكفى بنا حاسبين. ما لكم تخافون الحرب؟ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في قصور عالية وبروج مشيدة ؛ فملك الموت لا تحجزه الحواجز ولا تعوقه العوائق ، وكم من محارب نجا ، وقاعد عن الحرب مات حتف أنفه ، فلا نامت أعين الجبناء.
وأعجب العجب مقالة أولئك المنافقين إذا أصابتهم حسنة من غنيمة أو خصب أو رزق قالوا : هذه من عند الله ومن فضله وإحسانه ليس لأحد دخل فيها ، وإن أصابتهم سيئة من هزيمة أو جدب قالوا ـ لعنهم الله ـ : هذه من شؤم محمد ، كما حكى القرآن عن قوم موسى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) [سورة الأعراف آية ١٣١].
قل لهم : كل من الحسنات والسيئات والسراء والضراء من عند الله فإنه موجد وخالق للكل ، فما لهؤلاء القوم لا يقربون من فهم حديث من الأحاديث؟ ما الذي دهاهم في عقولهم حتى وصلوا إلى هذا الفهم السقيم؟ فقد ربطت الأسباب بمسبباتها