هنا كانت المناسبة ظاهرة على أن بعض المنافقين كانوا يستأذنون النبي في القعود عن القتال لهم ولغيرهم ، وإذا توسعنا فيها شملت شفاعة الناس بعضهم لبعض ، والتحية نوع من الشفاعة ، وعلى كل فهي نوعان : شفاعة حسنة ، وشفاعة سيئة ؛ والضابط العام أن الحسنة ما كانت فيما استحسنه الشرع ورضيه ، والسيئة فيما كرهه الشرع أو حرمه.
ويجب ألا ننسى أن العبرة في القرآن الكريم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
والشفاعة الحسنة هي التي يراعى فيها حق المسلم فيدفع بها شرا أو يجلب إليه خيرا ، وابتغى صاحبها وجه الله ، ولم تؤخذ عليها رشوة ، وكانت في أمر جائز لا في حد من حدود الله ولا في ضياع حق من الحقوق ، والسيئة ما كانت بخلاف ذلك ، وقد شاعت عندنا الوساطات والشفاعات السيئة الملوثة بالمادة لتضييع الحقوق وهضمها والاستيلاء على مال الغير ، وهذا داء حقير يتنافى مع مبدأ الدين وأصوله ، ولكل من الشفعاء نصيب إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وكان الله على كل شيء مقيتا ومقتدرا على إيصال الجزاء لكل شافع.
بعد أن علم الله الناس طريق الشفاعة الحسنة وجزاءها وطريق الشفاعة السيئة ومآلها ، علم الناس سنة التحية وآدابها ، فكلاهما من أسبابها التواصل بين الناس ، ولذا عدت التحية من الشفاعة ، وإذا حييتم بتحية فالواجب ردها على أن تكون مثل الأولى أو أحسن منها ، وحسن الرد يكون بزيادة الألفاظ فإذا قال لك : السلام عليكم ، تقول : وعليكم السلام ورحمة الله. ويكون بزيادة معنوية كالبشاشة وحسن الاستقبال ... إلخ ، ما هو معروف.
وأحكام السلام موضحة في كتب الحديث ، ومنها أن بدأه سنة ورده واجب ، ويجوز بدء السلام ورده على غير المسلمين عند بعض الأئمة ، وأن يسلم القادم على الجالس ، والراكب على الماشي ، والقليل على الكثير ، والصغير على الكبير ، ولا يسلم الرجل على المرأة الأجنبية ويسلم على زوجته.
إن الله كان على كل شيء تعملونه حسيبا ومكافئا.
ثم ختم الآيات بالأساس العام للدين ، وهو إثبات التوحيد والبعث ولا شك أن ذلك يدفع المسلم إلى العمل والامتثال لأمر الله ، لا إله إلا هو ، ليجمعنكم إلى يوم القيامة