ضرره عليكم أو على الوالدين والأقربين ؛ فإن بر الوالدين وصلة الأقارب لا تكون بالشهادة لغير الله ، ولا تراعوا غنيا لغناه أو ترحموا فقيرا لفقره بل اتركوا الأمر لله ، فالله يتولى أمرهما وهو أعلم بما فيه صلاحهما فلا تحملنكم العصبية وهوى النفس وبغضكم الناس على ترك العدل فيما بينكم (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (١) ومن هذا ما روى أن عبد الله بن رواحة لما بعثه صلىاللهعليهوسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلىّ ، ولأنتم أبغض إلىّ من أعدائكم من القرود والخنازير ، وما يحملني حبى إياه وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم.
فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض.
وأن تلووا ألسنتكم بالشهادة وتحرفوها أو تعرضوا عن إقامة الشهادة وتكتموها فاعلموا أن الله بما تعملون خبير وسيجازيكم بذلك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) : المعنى : اثبتوا على ذلك وداوموا عليه وازدادوا يقينا ، وآمنوا بالكتاب الذي أنزله الله على رسوله وهو القرآن وجنس الكتاب الذي أنزله على رسله كالتوراة والإنجيل ، ومعنى الإيمان بالقرآن التصديق بأنه أنزل من عند الله على خاتم الأنبياء والمرسلين وهو الناسخ لما قبله ليس بعده شيء ، والإيمان بالكتب السابقة على أنها من عند الله نزلت على موسى وعيسى.
وقيل : هو خطاب لمؤمنى أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه أتوا رسول الله قالوا : نؤمن بك وبكتابك والتوراة وبموسى ونكفر بما عدا ذلك ، فقال ـ عليهالسلام ـ : بل آمنوا بالله ورسوله والقرآن وبكل كتاب قبله. فقالوا : لا نفعل ، فنزلت ، فآمنوا كلهم ، ثم توعد من لم يؤمن بما ذكر بقوله : ومن يكفر بالله وملائكته الذين هم رسل الله إلى أنبيائه وبرسله إلى خلقه واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا عن طريق الحق ونور الهدى ، فاليهود والنصارى الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض إيمانهم لا يعتد به إذ الكفر بكتاب أو برسول كفر بالكل ، لأنه لو آمن إيمانا صحيحا بنبيه وكتابه لما كفر بمحمد المبشر به عندهم.
__________________
(١) سورة المائدة آية ٨.