اللحم وألا يقربوا النساء وأن يرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ، وهموا بالاختصاء ، وأجمعوا على قيام الليل وصيام النهار. فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لهم :
«إنى لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وقوموا وأفطروا وناموا ، فإني أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم ، وآتى النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس منى» فنزلت الآية.
وعن ابن مسعود أن رجلا قال : إنى حرمت الفراش ، فتلا هذه الآية وقال : نم على فراشك وكفر عن يمينك.
كان وصف النصارى بالرهبنة ربما يفيد أنها خير ، فكانت هذه الآية القول الفصل والحكم العدل.
المعنى :
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا ما طاب ولذ من الحلال ؛ فإنه مما تستلذه النفس ويميل إليه القلب ، ولا تمنعوا أنفسكم من الطيبات منع تحريم ، أو لا تقولوا : حرمنا على أنفسنا كذا وكذا مما هو حلال لكم ومباح.
لا تفعلوا هذا تنسكا وتقربا إلى الله ، فإن الله لا يرضى عن ذلك بل ينهى عنه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١) ولا تجاوزوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرم فقد حرم عليكم الخبائث وحرم عليكم الإسراف والتقتير ، وجعلكم أمة وسطا فلا إفراط ولا تفريط : (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٢) وكلوا مما رزقكم الله حالة كونه حلالا لا إثم فيه كالربا والرشوة والسحت ؛ فإنها إثم وفسوق ، وكلوا الطيب الذي ليس مستقذرا في نفسه كالمحرمات العشر السابقة في أول السورة ، أو لطارئ كالفساد والتغير بطول المكث.
إن الله لا يحب المعتدين المتجاوزين حدود الشرع ، على أن الأكل في الآية يراد به التمتع الشامل للشرب والأكل.
__________________
(١) سورة البقرة آية ١٧٢.
(٢) سورة الأعراف آية ٣١.