المناسبة :
أحل الله لنا أكل الطيبات من الرزق واستثنى الخمر وما شاكلها ، وهنا أضاف لها الصيد في الإحرام وبيّن جزاءه.
المعنى :
يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله : ليبلونكم الله ، وليعاملنكم معاملة من يختبركم بشيء من الصيد ، أى : بعض منه وهو صيد البر لا صيد البحر ، اختبركم بإرساله بحيث يسهل تناول بعضه بالأيدى ، وبعضه بالرماح ، وكيف لا يكون هذا اختبارا وابتلاء؟ والمصيد طعامه لذيذ ، واصطياده حبيب إلى النفس في الأسفار ، فإذا أضيف إلى ذلك كثرته وعدم تأبّيه ، كان هذا اختبارا وأى اختبار؟ يفعل الله هذا ، ليعلم علم ظهور وانكشاف من يخافه بالغيب ، ومن يخافه أمام الناس فقط ، كالمنافقين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم والله عالم بكل شيء ، ولكن يريد ليطهركم ، وليتم نعمته عليكم بالامتثال.
فمن اعتدى منكم بعد ذلك البيان ، فله عذاب شديد في الدنيا والآخرة.
يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان ، وصدقتم الرسول ، وآمنتم بالقرآن ، لا تقتلوا صيد البر ، وهذا النهى هو الابتلاء المذكور في الآية السابقة ، لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بحج أو عمرة أو في مكان الحرم وإن لم تحرموا ، وذلك إجلالا للحج وشعائره ، واحتراما للمكان وهيبته ، إذ هو مباءة للناس والطير وأمن لهم ، وهذا في الحرم المكي ، أما الحرم المدني فلا يجوز فيه الاصطياد لأحد ولا قطع الشجر كحرم مكة فإن فعل هذا أحد أثم ولا جزاء عليه عند مالك والشافعى ، ورد عن رسول الله في الصحيح «اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإنى أحرم المدينة مثل ما حرم به مكة لا يختلى خلاها (الخلى : النبات الرقيق ما دام رطبا ، ويختلى : يقطع) ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها».
ومن قتله منكم عامدا قاصدا له ، فعليه جزاء من النّعم مماثل له في هيئته وصورته ، إن وجد المثل وإلا فقيمته ، وقيل : يقوّم من أول الأمر ، واعلم أن ما يجزى من الصيد شيئان دواب وطير ، فيجزى ما كان من الدواب بنظيره في الخلقة والصورة ففي النعامة