وتجحدون في الدنيا ، ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم هذا الإقرار منكم بأنه حق ؛ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ، وما وعد الله به عباده الصالحين ، نعم خسروا نعيم الآخرة وثوابها وسعادة الإيمان ولذته ورضوانا من الله أكبر من كل شيء.
وما كان هذا إلا نتيجة لإنكارهم الحياة الأخروية فإن من ينكرها يكون ماديا شهوانيّا ليس له قلب ولا روح وهم كالأنعام بل أضل سبيلا.
قد خسر الذين كذبوا حتى إذا جاءتهم منيتهم مباغتة لهم ومفاجئة قالوا : يا حسرتنا احضرى فهذا أوانك ، يا حسرتنا على ما فرطنا في الحياة الدنيا التي كنا نزعم أن لا حياة بعدها ... عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من مات قامت قيامته» فتكذيبهم مستمر إلى موتهم فقط أما خسارتهم فلا حد لها ولا نهاية. وتحسرهم كذلك (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) وهم يحملون أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ، يحملونها على ظهورهم ، وهذا ما كسبته أيديهم وجنته جوارحهم ، ألا ساء ما يحملون وبئس ما يصنعون.
وأما الحياة الدنيا التي قال عنها الكفار إنه لا حياة بعدها فهي دائرة بين عمل لا فائدة فيه كلعب الأطفال وبين عمل فائدته عاجلة سلبية كفائدة اللهو فمتاعها قليل ، وأجلها قصير ، وحياتها تعب ، وصاحبها في كبد (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (١). وأما الدار الآخرة فنعم عقبى الدار! نعيمها مقيم وظلها دائم لا همّ فيها ولا نصب ، ولا تعب ولا ألم (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ. لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٢).
__________________
(١) سورة البلد آية ٤.
(٢) سورة الحجر الآيتان ٤٧ و ٤٨.