المعنى :
يا أيها الرسول قل لأولئك المشركين : أخبرونى إن أتاكم عذاب الله الذي نزل بأمثالكم من الأمم السابقة كالخسف والريح الصرصر والغرق ، أو أتتكم الساعة وهولها ، والقيامة وما فيها ، أخبرونى إن حصل هذا ، أغير الله تدعون لينجيكم من هذا العذاب وهوله؟! إن كنتم صادقين في دعوى الألوهية لهؤلاء الأصنام الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ، ولكم شفعاء ، والسؤال للتبكيت والإلزام بل ـ إضراب لإبطال ما تقدم ـ إياه وحده تدعون ، وله وحده تتجهون ، وبه وحده تستعينون حتى يكشف عنكم ما ألم بكم من ضر أو مسكم من شدة. يكشف ما تدعون إليه إن شاء كشفه ، وكان فيه حكمة ، وأنتم تنسون ما تشركون ، وتتركون آلهتكم ولا تذكرون في ذلك الوقت إلا الله (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (١).
وذلك أن الإنسان أودع في فطرته توحيده ـ عز اسمه ـ وأما الشرك فشيء عارض للإنسان بالتقليد شاغل للذهن بالفساد وقت الرخاء ، حتى إذا جد الجد دعوا الله مخلصين له الدين وضل عنهم ما كانوا يعبدون (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) (٢).
ثم أخذ القرآن يضرب الأمثال بالأمم السابقة فقال : ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا مبشرين ومنذرين ، ولكن أممهم عصوا وبغوا ، فأخذناهم بالبأساء والشدائد ، والضراء والمهالك ، عسى أن يكون ذلك رادعا لهم ومؤدبا. فالشدائد قد تربى النفوس وتهذبها ، وتجعل المغرور يراجع نفسه ويفكر في أمره ولذا يقول الله : (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) ويلجئون ، ومع هذا فكثير من الناس لا تنفعهم هذه الزواجر ولا تردعهم هذه الشدائد.
فهلا تضرعوا حين جاء بأسنا وكانوا خاشعين تائبين ، ولكن أنى لهم هذا؟ وقد قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة. فلم تؤثر فيهم النذر ، ولم تنفعهم العبر ، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ، وبئس ما كانوا يصنعون.
__________________
(١) سورة العنكبوت آية ٦٥.
(٢) سورة الروم آية ٣٠.