المعنى :
وإذا جاءك يا محمد الذين يؤمنون بآياتنا ويصدقون بها تصديقا مصحوبا بالعمل الطيب فقل لهم : سلام عليكم ، وأمنة لكم من أن يعاقبكم ربكم على ذنب تبتم عنه ورجعتم بعده إليه.
قل لهم يا محمد : سلام الله عليكم وإكرامه لكم ، قد فرض على ذاته الكريمة الرحمة بعباده فهو واسع الفضل والمغفرة كبير العفو والرحمة ، وفيما منحنا الله من الخلق السوى والغرائز ، ونعمة السمع والبصر والفؤاد والعقل (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١) وفيما خلق لنا مما في الأرض جميعا ، وما آتانا من العلوم الكسبية التي بها ذللنا الطبيعة : الدليل على تمام رحمته وكمال نعمته وأنه الرحمن الرحيم بخلقه وعباده ، ثم بين الله أصلا من أصول الدين في الرحمة بعباده فقال : إنه من عمل منكم أيها المؤمنون عملا سيئا يتنافى مع الدين والخلق حالة كونه متلبسا بجهالة دفعته إلى ذلك السوء ، كغضب شديد أو شهوة جامحة ثم تاب ورجع إلى الله فإن الله يتوب عليه.
وقيل : من عمل منكم سوءا وهو جاهل بما يتعلق به من المكروه والضرر ، ثم تاب من بعده من قريب بمعنى أنه أنب نفسه ، ولم يستمر على عزمه السيئ ، بل ثابت نفسه إلى رشدها ، وأدركت أن الشيطان مسها ، فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ، وأصلح نفسه بالعمل الطيب دليلا على صدقه وخروج نفسه من حيز الشر والضلال إلى دائرة النور والعرفان بالذات الأقدس.
إذا كان هذا فاعلموا أنه غفور رحيم يقبل التوبة من عباده ، ويعفو عن السيئات ، وقد شرطوا في التوبة الصادقة الندم الحقيقي ، والعزم على عدم الرجوع ، ورد المظالم إلى أهلها وإتباعها بالعمل الصالح.
مثل ذلك التفصيل المحكم المبين لأحكام الدين وأصوله نفصل الآيات كلها ليهتدى بها أولو العقل الرشيد والفكر السليم وليستبين ويظهر طريق المجرمين حيث وضح طريق الصالحين.
__________________
(١) سورة الذاريات آية ٢١.