في قبضته وهو القاهر فوق عباده ، ولا يملك الرسول شيئا ، ثم بين هنا أن ما استعجلوه به ليس فيما يدخل في علم النبي حتى يخبرهم في أى وقت يقع وإنما هو مما استأثر الله بعلمه ، وهو العليم بكل شيء.
المعنى :
عنده وحده ـ سبحانه ـ ما يوصل به إلى الغيب المحجوب عن الكل ، أى : عنده علم الغيب. إذ العلم صفة تنكشف بها لله ـ سبحانه وتعالى ـ معلومات الغيب والشهادة ، وإنما أطلق المفتاح وأراد العلم للإشارة إلى أن الغيب المستور في أماكن بعيدة لا يصل إليها أى مخلوق كالخزائن المغلقة بالأبواب والأغلاق ، ولها مفاتيح محكمة ، وقيل المعنى : وعنده خزائن الغيب ، على أن المراد بالمفاتيح الخزائن. لا يعلمها إلا هو وحده الذي يعلم السر وأخفى ، فهذه الجملة إذن توكيد للجملة السابقة.
وهو يعلم كل ما في البر وكل ما في البحر ، فهو يعلم المشاهدات كما يعلم المغيبات ، والله يعلم ما تسقط من ورقة في أى زمان أو مكان ، فهو يعلم الأحوال كلها المتعلقة بالذوات السابقة إذ سقوط الورق حال من الأحوال ، وذكره إشارة إلى جميع الأحوال.
وليست هناك حبة في ظلمات الأرض السحيقة. وأغوارها البعيدة ، ولا شيء رطب ، ولا شيء يابس ، أى : ولا حي بالمعنى العام ، ولا يابس إلا في مكنون علمه الثابت الذي لا يمحى ، كما أن الشيء المسجل المكتوب كتابة لا يمحى ، وقيل المعنى : كل ذلك في اللوح المحفوظ ، والله أعلم بكتابه.
والخلاصة أنه ـ سبحانه ـ يعلم الغيب والشهادة ، والأحوال الظاهرة والباطنة.
أما أنتم أيها الناس ... فالله يتوفاكم بالليل ، أى : ينيمكم فيه ، ويقبض أرواحكم إليه ، فيمسك التي قضى عليها الموت ، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ، ويعلم ما كسبتم في النهار علما سابقا على عملكم ، فهو يعلم أن منكم من يكفر ، ومنكم من يعصى ربه ؛ ثم بعد هذا الموت الأصغر الذي فيه يقبض أرواحكم إليه ويعلم أعمالكم بعد ما يبعثكم في الدنيا نهارا ليعمل كل عمله ، وليقضى أجل مسمى عنده وعمر محدود