أتحاجوني في الله وقد هداني إلى سواء السبيل ، ولا أخاف هذه الأصنام أبدا فهي لا تنفع نفسها ولا غيرها ولا تضر ، وكيف أخاف ما تشركون به ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله وأنا لا أخافهم في وقت من الأوقات إلا أن يشاء الله ربي وربكم لي شيئا من الضر فينزل بي ما يشاء كأن يقع علىّ صنم فيصيبني ؛ أو ينزل شهاب من السماء فيحرقنى ، كل ذلك بمشيئة الله وحده! أما أن لهذه الأصنام شيئا في أنفسها أو في غيرها فهذا شيء لا يدور بخلد عاقل ، ولا ينطق به إنسان كامل.
أعميتم فلا تتذكرون شيئا أصلا ، حتى تسووا بين الخالق والمخلوق ، وبين الإله واهب الوجود وبين الحجر أو الكوكب المخلوق.
عجبا لكم!! كيف أخاف آلهتكم التي ينادى العقل الحر بأنها لا تنفع ولا تضر ، ولا تخافون إشراككم بالله غيره وقد قامت الحجج العقلية والنقلية على أنه الإله الواحد الأحد ، الفرد الصمد.
وإذا كان هذا هو الواقع ، فأينا أهدى سبيلا ، وأحسن رأيا ، وأقوم قيلا؟! وأحق بالأمن وعدم الخوف؟ إن كنتم من أهل العلم والعقل والفكر الحر فالذين آمنوا أحق الناس بالأمن والطمأنينة ، لأنهم آمنوا بالله ورسله وسلكوا طريق العقل والحكمة ولم يخلطوا إيمانهم بظلم كالشرك ، أولئك لهم الأمن الكامل التام في الدنيا والآخرة ، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، روى البخاري ومسلم أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة (١) ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ وقالوا : أيّنا لم يظلم؟ فقرئ (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٢).
وتلك حجتنا القوية آتيناها إبراهيم حجة له على قومه ، ولا غرابة في ذلك فالله يرفع من يشاء من عباده درجات بعضها فوق بعض ، فهذه درجة الإيمان وأخرى درجة العلم وثالثة درجة الحكمة والتوفيق ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء إن ربك عليم بخلقه.
__________________
(١) أخرجه البخاري كتاب الإيمان باب ظلم دون ظلم حديث رقم ٣٢.
(٢) سورة لقمان آية ١٣.