المعنى :
كان إبراهيم ـ عليهالسلام ـ أمّة ، وكان من القانتين ، وهو من أولى العزم وهو أبو الأنبياء ، فما من نبي بعد إلا وهو من سلالته (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) [سورة الحديد آية ٢٦].
ووهبنا له على كبر منه ، وعقم امرأته ويأس ، إسحاق (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) جزاء إيمانه الكامل ، وإحسانه الشامل ، ونجاحه في ابتلاء الله له بذبح ولده إسماعيل.
فإبراهيم من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء فهو من سلالة نوح (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) وهدينا من ذريته داود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، فهي ذرية طيبة (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) وإبراهيم واسطة العقد جده نوح وأولاده الأنبياء ، وكذلك نجزى المحسنين.
وهدينا من ذريته كذلك زكريا ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس وكل من الصالحين ، وهدينا من ذريته إسماعيل ابنه لصلبه وجد المصطفى صلىاللهعليهوسلم إسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على عالمي زمانهم.
وهدينا بعض آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ، إذ لم يكن الكل مهديا إلى الخير (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ).
ولقد اجتبيناهم واخترناهم وخصصناهم بمزايا كثيرة ، وهديناهم صراطا مستقيما ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده ، والله واسع عليم ، ولو أشركوا بالله شيئا لكان جزاؤهم أن تحبط أعمالهم ؛ إذ توحيد الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو المزكى للنفوس ، والمطهر للأرواح. وهو أساس الثواب ، ومناط الأجر فإذا انهار الأساس فلا يبقى معه ثواب للعمل أصلا (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [سورة الزمر آية ٦٥].
أولئك المذكورون جميعا ينهلون من معين واحد ، ولهم رسالة واحدة هي إرساء