قد خلقكم من ذكر وأنثى وجعلكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، وفي هذا إرشاد إلى التّوادّ والمحبة ، والتعاطف بين الخلق جميعا ، وإشارة إلى كمال القدرة وتمام العلم والحكمة ، خلقكم من نفس واحدة ، لكلّ مستقر في الأصلاب ، ومستودع في الأرحام ، والاستقرار : مكث غير محدود بزمن ولا وقت وهو أقرب إلى الثبات ، والاستيداع : مكث موقوت معرض للرد والرجوع ، ولهذا كان الاستقرار في الأصلاب والاستيداع في الأرحام. وبعضهم عكس ، وبعضهم قال غير ذلك ، والله أعلم .. قد فصلنا الآيات ووضحناها لقوم يفقهون ويقفون على الأسرار الخفية بذكائهم وعمق تفكيرهم ، ولا شك أن النظر في الخلق والتكوين الإنسانى يحتاج إلى دقة ونظر وفهم.
وها هي ذي آياته التكوينية في النبات.
وهو الذي أنزل من السحاب الذي في السماء ماء فجعل منه كل شيء حي ، فأخرج به المولى ـ جل شأنه ـ نبات كل صنف من الأصناف فالتربة واحدة والماء واحد ولكن الشكل والطعم مختلف سبحانك يا رب أنت القوى القادر (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) (١) في الشجرة الواحدة تمر حسن وآخر رديء ، ثمر ناضج ، وثمر نيئ ، ثمر طعمه جميل وأخر قبيح ، سبحان الله أليس هذا من دلائل الوحدانية والقدرة ، فأخرج الله من النبات شيئا غضا أخضر وهو ما تشعب من أصل النبات ، وذلك كورق النجم ، وغصن الشجر ، ويخرج من هذا الأخضر حبا جافّا صلبا متراكبا بعضه فوق بعض في السنبل.
أما الشجر فهذا النخل عنوانه يخرج من طلعها قنوان دانية القطوف سهلة التناول ويخرج من النبات الأخضر جنات من أعناب وغيره من الفواكه والثمار كالزيتون والرمان مشتبها في الشكل والورق والثمر ، وغير مشتبه في لون الثمر وطعمه فمنها الحلو والحامض والمزّ ، بل منها ما هي كاليوسفى والبرتقال أو كالنارنج ، انظر إلى ثمر ما ذكر نظرة اعتبار وفحص إذا أثمر النبات وكيف يصير هذا الثمر من درجة إلى درجة حتى يصل إلى كمال نضجه وتمام منفعته ، وكيف يكون الثمر أجوف فارغا ثم يمتلئ بالخير والبركة ، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون بالله أو فيهم الاستعداد لذلك.
__________________
(١) سورة الرعد آية ٤.