فلم ينظروا نظرا بريئا للهداية والعبرة حتى يتعظوا ويؤمنوا : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) (١) لكن لو شاء الله إيمانهم لآمنوا ، ولكنه يتركهم وفطرتهم التي تتنافى مع سلوك طريق الخير والانتفاع بهدى القرآن : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) (٢) مع تبصرتهم وهدايتهم إلى طريق الخير والشر : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٣).
ولكن أكثر المشركين يجهلون ذلك ، فيقسمون بالله جهد أيمانهم : لئن جاءتهم آية مما اقترحوا ليؤمننّ بها ، وما يشعرون بقلوبهم وما انطوت عليه ، وبما ختم عليها حتى صارت كأنها في أكنة ، وقيل : ولكن أكثر المسلمين يجهلون نفوس الكفار وما هي فيه ، فيميلون إلى إنزال الآيات المقترحة علّهم يؤمنون.
وهكذا سنة الله في الخلق. منهم مهتد وكثير منهم فاسقون.
وهكذا سنته مع أنبيائه ، جعل لكل منهم أعداء من الجن والإنس ـ خاصة أولى العزم منهم ـ ليحظوا بدرجات الصبر والعمل ، فالنبي صلىاللهعليهوسلم يدعو إلى الخير جاهدا ، والمشركون يدعون إلى ما يعتقدون جهدهم ، فمن باب تنازع البقاء لا بد من حصول العداوة والبغضاء ، والعاقبة للمتقين (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤).
كما جعلنا هؤلاء أعداء لك جعلنا لكل نبي جاء قبلك أعداء ، هم شياطين الإنس والجن ، روى أبو ذر ـ رضى الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال عقب صلاة : يا أبا ذر : هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن؟ قال : قلت يا رسول الله : هل للإنس شياطين؟ قال : نعم (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) (٥).
__________________
(١) سورة الأنعام آية ٢٥.
(٢) سورة البقرة آية ٢٥٦.
(٣) سورة البلد آية ١٠.
(٤) سورة غافر آية ٥١.
(٥) سورة البقرة آية ١٤.