المعنى :
ومثل الذي ذكر من استمتاع أولياء الإنس والجن بعضهم ببعض في الدنيا لأنهم متشابهون ومتحدون في الاتجاه والعمل ، نولي بعض الظالمين بعضا بسبب ما كانوا يكسبون من أعمال الظلم المشتركة بينهم.
نولي بعضهم بعضا ، ونجعلهم أنصارا وأولياء لبعض وأصدقاء. فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض ، والكافرون بعضهم أولياء بعض ، وكل يقع على شاكلته ، إذ الأرواح جنود مجندة.
وأما ولاية المشركين لبعض فبمقتضى السنن الكونية ، إذ ولايتهم لبعض مترتبة على اتفاقهم في الخلق والعقيدة والمنفعة والتحزب ، مع أن الله لم يأمرهم بشيء من ذلك.
وفي المأثور قيل : سمعتهم يقولون : إذا فسد الناس أمر عليهم شرارهم ، وكما تكونون يولى عليكم. وعن ابن عباس «إذا رضى الله على قوم ولى أمرهم خيارهم ، وإذا سخط على قوم ولى أمرهم شرارهم» فيكون الحاكم وبطانته مثلا في السوء يقلدهم غيرهم فيعم الفساد البلد ، والمعنى : إنا نكل بعض الظالمين إلى بعض ، ونسلطهم على أنفسهم ، وهذا تهديد عام شامل لكل ظالم في الحكم أو غيره ، وقال فضيل بن عياض : «إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم فقف وانظر فيه متعجبا».
يا معشر الجن والإنس اقرّوا واعترفوا بإرسال الرسل لكم ، وقد قاموا بمهمة الرسالة خير قيام ، يقصون عليكم الآيات ، ويوضحون الحجج والبينات ، وينذرونكم لقاء يومكم هذا ، ويبشرون من آمن بالله وعمل صالحا بالثواب العظيم ، وينذرون من خالف وعصى بهذا اليوم الشديد وقعه ، البالغ أثره ، وهذه الرسل منكم ، أى : من جنسكم في الخلق والتكليف والمخاطبة ، أى : من مجموعكم.
وهنا بحث : هل للجن رسل من أنفسهم كما للإنس؟ أم الرسل من الإنس فقط؟ وقوله منكم من باب التغليب ، كقوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وهما يخرجان من الماء الملح فقط ، أو المراد برسل الجن من كان يستمع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ثم ينذر قومه بما سمع : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) والثابت عن ابن عباس : كانت الرسل تبعث إلى الإنس ، وإن محمدا صلىاللهعليهوسلم بعث إلى الجن والإنس ، فقد قال الجن : (إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) [سورة الأحقاف آية ٣٠].