وقالوا : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ، والمراد بها البحائر المشقوقة الآذان والسوائب ، وخالصة خلوصا مبالغا فيه لذكورنا فقط ومحرم على نسائنا ، وكانت السوائب إذا ولدت ذكرا جعلوه للذكور خاصة ، وإذا ولدت أنثى جعلت للنتاج ، وإن كان ما في بطنها ميتا جعل شركة بين الذكر والأنثى ، سيجزيهم الله جزاء وصفهم ، إنه حكيم عليم.
ولقد نعى الله ـ سبحانه وتعالى ـ على مشركي العرب أمرين عظيمين : هما قتل الأولاد ، ووأد البنات ، وتحريم ما رزقهم الله من الطيبات ، وحكم عليهم بالخسران والسفه ، وعدم العلم والافتراء على الله ، والضلال وعدم الاهتداء ، إذ كيف تقتل ابنتك أو ابنك خشية الفقر أو العار ، وتحرم طيبات أحلت لك؟
فأما الخسران فالولد نعمة من الله وزينة في الدنيا ، فإذا سعى لإزالتها استحق الغضب من الله لاعتدائه ، وقال الناس : إنه قتل ابنه خوف أن يأكل طعامه ، وخسر عاطفة الأبوة ، التي هي مصدر الرحمة والحنان. وجعلها مصدر الاعتداء والفناء ... وأما السفه فهل هناك سفه أكثر من قتله ابنه وفلذة كبده خوف الفقر أو خوف العار؟ وربما كان الولد مصدر الخير لأهله ، وهل من يفعل هذا لا يعد في مصاف الجهلاء؟ أعوذ بالله من عادات الجاهلية.
وأما الافتراء على الله ، والكذب عليه ، فقد جعلوه دينا وهم كاذبون ، وأما ضلالهم فهم لم يرشدوا إلى الخير أصلا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولم يسيروا وراء عقل ولا شرع.
أخرجه البخاري : «إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام».
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ) .. إلى قوله .. (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ).