إنما حرم عليكم الميتة وهي ما ماتت حتف أنفها بغير ذبح شرعي ، وذلك يشمل المخنوقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ونحوها ، والدم المسفوح السائل يجرى من المذبوح ، أما الجامد كالكبد والطحال فحلال ، وفي الحديث : «أحل لنا ميتتان : السمك والجراد ، ودمان : الكبد والطحال» ولحم الخنزير وما يشبهه كالكلب فإن هذا كله رجس وقذارة ، تعافها النفوس الطيبة وهو ضار بالبدن ، وحرم كذلك ما أهل لغير الله به ، وما ذبح على النصب والأزلام.
والمعنى :
إلا أن يكون ميتة ... أو فسقا أهل لغير الله به : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ... ومن أصابته ضرورة ملحة إلى أكل المحرم فهو حلال له بشرط ألا يكون باغيا له وقاصده لذاته ، وبشرط ألا يكون معتديا ومتجاوزا حد الضرورة ، فإن ربك غفور للذنوب رحيم بالعباد ، فلا يؤاخذ شخصا يأكل ما يسد به مخمصته ، أو يدفع ضرر هلاكه.
هذا ما حرم في شريعة محمد صلىاللهعليهوسلم بالإجمال ، وما حرمه الله على اليهود خاصة كان تحريما مؤقتا ، عقوبة لهم لا لذاته : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) [سورة النساء آية ١٦٠].
وعلى الذين هادوا ـ خاصة ـ حرمنا عليهم كل ذي ظفر ، أى : ما ليس منفرج الأصابع كالإبل والنعام والأوز والبط ، كما ورد ، وحرمنا عليهم من البقر والغنم دون غيرهما شحومها الزائدة التي تنتزع بسهولة ، وهو ما على الكرش والكلى ، أما الشحوم التي على الظهر وفي الذيل أو ما اختلط بعظم فحلال ، بدليل قوله : (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) وإلا ما حملته الأمعاء ، فتلخص أن المحرم عليهم من الشحوم هو شحم الكرش والكلى فقط.
وإنما حرم الله عليهم ذلك عقوبة لهم في قتلهم الأنبياء بغير حق ، وصدهم عن سبيل الله ، وأخذهم الربا ، واستحلالهم أموال الناس بالباطل.
وفي ذكر هذا تكذيب لليهود في قولهم : إن الله لم يحرم علينا شيئا ، وإنما حرمنا على أنفسنا ما حرمه إسرائيل على نفسه.