المعنى :
بعد أن ألزمهم بالحجة ، أخبر الله عنهم أنهم سيتمسكون بحجة أوهى من بيت العنكبوت ، فقال : سيقولون ... ولما قالوا بالفعل حكى عنهم في آية أخرى : وقالوا (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا).
لو شاء الله ألا نشرك نحن ولا آباؤنا من قبل وألا نحرم شيئا من البحيرة والسائبة والحام ، لما أشركنا ولما أشرك آباؤنا من قبل ، ولما حرموا شيئا ، ولكن شاء أن نشرك به غيره من الأولياء والشفعاء ليقربونا إلى الله زلفى ، بدليل وقوعه بالفعل ، وكذلك تحريمنا بعض الأنعام والحرث ، والله عالم بكل ما يحصل ، قادر على تغييره بما يشاء وإتياننا إياها دليل على مشيئته تعالى ، وعلى رضاه وأمره بها : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ..) [سورة النحل آية ٣٥].
مثل ذلك التكذيب الذي صدر من المشركين العرب للنبي صلىاللهعليهوسلم فيما جاء به من الوحدانية لله ، وقصر التشريع عليه ـ سبحانه وتعالى ـ كذب الذين من قبلهم رسلهم تكذيبا غير مبنى على حجة من العلم والعقل ، إذ لو كانت مشيئة الله ـ تعالى ـ معناها رضاه عن عملهم ، لما عاقبهم على أعمالهم حتى ذاقوا بأسه ، وقال فيهم : أخذناهم بذنوبهم.
قل : هل عندكم من علم وحجة تحتجون بها وتعتمدون عليها ، فتخرجوها لنا حتى تقرع الحجة بالحجة ، وحتى يعرف الراجح بدليله وحجته من غيره الذي لم يعتمد على حجة وبرهان؟ الواقع أنكم ما تتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ، فلا يقين معكم ولا حجة عندكم ، إن أنتم إلا تخرصون وتكذبون ، قل لهم يا محمد : فلله الحجة البالغة ، بما بيّن من الآيات ، وأيد الرسل بالمعجزات ، وألزم أمره كل مكلف ، فأما إرادته وعلمه وكلامه فغيب لم يطلع عليه أحد.
ألم تر أن العبد لو أراد أن يفعل الخير لفعل ، ولا مانع يمنعه ، مع العلم بأن هناك لافتات بالخط الواضح العريض كتب عليها : «يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر