المعنى :
بعد ما وصف الله القرآن وأثره ، وأنذر من يكذبه بصارم العقاب ، أتبع هذا بحقيقة المشركين وما ينتظرون ، هل ينتظر هؤلاء إلا أن تأتيهم الملائكة كما اقترحوا؟ أو يأتى ربك كما طلبوا وقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) ، أو تأتيهم بعض آيات ربك التي اقترحوها بكفرهم كقولهم : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) .. ونحو ذلك ، فهم في الحقيقة لا ينتظرون إلا مجيء الملائكة ، أو مجيء ربك ، أو مجيء بعض آيات ربك ، فهم متمادون في التكذيب ، ولا أمل فيهم أبدا ، ولا خير فيهم أصلا ، وقيل : هم لا ينتظرون إلا ملائكة الموت أو أمر الله ، أى : وعده ووعيده. (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [سورة النحل آية ٢٣]
يوم يأتى بعض آيات ربك : الآيات الدالة على قرب قيام الساعة ، أو بعض الآيات الموجبة للإيمان الاضطراري ، لا ينفع هذا الإيمان نفسا لم تكن آمنت من قبل ، فإن الإيمان تكليف وعمل واختيار ، وليس في هذا الوقت واحد منها ، ولا ينفع هذا الإيمان نفسا آمنت من قبل ، ولم تعمل عملا صالحا. إذ ليس الإيمان وحده كافيا في سقوط العذاب عن الشخص ، بل لا بد من إيمان وعمل ، ولذلك كان القرآن دائما يقرن الإيمان بالعمل : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) ، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
وقد ورد في الحديث أن بعض الآيات هي طلوع الشمس من المغرب ، واضطراب هذا الكون ... أخرج أحمد ، والترمذي عن أبى هريرة : «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض».
قل لهم يا محمد : انتظروا ما تتوقعون من إماتة الدعوة ، وقتل الرسول ، وهلاك الدين ، إنا منتظرون أمر ربنا ووعده الصادق لنا ، ووعيده المتحقق لأعدائنا (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ). (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ. وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ).