ثم قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم سجود تعظيم وإجلال وتكريم لآدم وذريته حتى يعرفوا نعم الله عليهم ، فيقابلوها بالشكران وليقفوا على ما فعله إبليس قديما ليكونوا على حذر منه.
فسجدوا جميعا إلا إبليس اللعين أبى واستكبر ، ولم يكن من الساجدين ، وكان إبليس من الجن ففسق عن أمر ربه ، وعلى ذلك قيل : إنه ليس من جنس الملائكة ، وخوطب معهم لأنه مخالطهم ، وقيل : هو من الملائكة ، كما هو ظاهر الآيات.
(ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)؟ وفي سورة (ص) آية ٧٥ (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) فدل هذا على أن (لا) في هذه الآية صلة (زائدة) للتأكيد ، وقيل : المعنى ما حملك ودعاك إلى عدم السجود؟.
قال إبليس معتذرا متعللا : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) لأنك خلقتني من نار وخلقته من طين ، والنار عند إبليس خير من الطين لعلوها وخفتها وصعودها ونورها.
والذي هو خير لا يسجد لمن هو أقل منه وإن خالف أمر ربه : هذا قياس إبليس ، وهو أول قياس ، لكنه باطل ، إذ كيف يستدل على الخيرية بمواد الأشياء؟! الخيرية إنما تكون بالمعاني والخصائص لا بالجنس والمادة : إذ أصل المسك دم الغزال وأصل العسل براز النحل ، وأصل الماس كربون ، وكيف يجهل إبليس ما حبا الله آدم به من العلوم والمعارف وتكريم الله له؟!
ويرى بعض العلماء أن هذه القصة تبين غرائز البشر ، وطبائع الملائكة ، وموقف الجن منا ، ولم يكن سؤال هناك ولا جواب ، ولكن هذا يخالف ظاهر الكتاب ، على أن ذلك أمر غيبي يجب الإيمان به ، وندع معرفة الحقيقة لله وحده ، ولا نشغل أنفسنا بأمور لا تدخل تحت طاقتنا ، وليس فيها جدوى.
قال تعالى : إذا كان الأمر كذلك فاهبط يا إبليس من الجنة ، فهي مكان المخلصين المتواضعين ، فما يكون لك ، ولا ينبغي منك أن تتكبر فيها ، إذ هي المعدة للكرامة والتعظيم لا للتكبر والعصيان.
فاخرج إنك من الصاغرين الذليلين المهانين ، وجاء في بعض الآثار : «إن الله تعالى