بالرأى ، وهذا منشأ تحريف الأديان ، واتباع الهوى والشيطان ، كما فعل أهل الكتاب. (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) (١) بل علينا ألا نتخطى أصول الدين ، من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ، وهذه الأصول لم تترك شيئا.
بعد ما ذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ جماع المحرمات والمفاسد التي تقضى على المجتمع وتبيد الأمم ذكر هنا حال الأمم الممتثلة وغيرها.
فبين أن لكل أمة أجلا محدودا ، ووقتا مضروبا يعلمه الله ـ سبحانه وتعالى ـ وتنتهي عنده ؛ كما أن لكل شيء في الوجود أجلا ، كذلك فلكل أمة زمان معلوم تكون فيه سعيدة عزيزة ، أو شقية ذليلة.
وعزة الأمم وسعادتها تكون بامتثال الشرع وذيوع الفضيلة ، والتمسك بأهداب الدين والمثل العليا ، ولها في ذلك أجل محدود.
وشقاء الأمم وذلها يكون ببعدها عن الفضيلة ، وذيوع الرذيلة ، وشيوع الغش والرشوة والفساد ، والإسراف والظلم ، والإثم والبغي ، ولها في ذلك أجل محدود.
أما فناء الأمم وهلاكها بالإبادة لمخالفتها الشرع فانتهى ببعثة الرسول صلىاللهعليهوسلم : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢).
وقد جرت سنته ـ تعالى ـ بذلك مع جميع الأمم فنرى في أمم الغرب أمة قوية عزيزة لأنها تتمسك بالفضيلة والاعتدال وعدم الإسراف ولها أجل محدود ما دامت متمسكة بالحق ، وبجانبها أمة ذليلة مهينة لأنها تتمسك بالرذيلة والإسراف.
والأمة الإسلامية أولى بالتمسك بالمثل العليا وعدم الإسراف ومجاوزة الحد في شيء ، خاصة وأن دينها يأمرها بهذا.
والله ـ سبحانه وتعالى ـ إذا قضى على أمة بالفناء في ساعة فإنها لا تتقدم ولا تتأخر أصلا ، فهذا تهديد ووعيد لمن يخالف الأمر ، ويسير على غير هدى.
__________________
(١) سورة النحل آية ١١٦.
(٢) سورة الأنبياء آية ١٠٧.