المعنى :
هذا وعد ربك للمؤمنين بالجنة بعد ما أوعد الكافرين بنار جهنم ، وهكذا نظام القرآن : وعد ووعيد ليتميز الحق من الباطل والمؤمن من الكافر.
والذين آمنوا بالله ورسله ، وعملوا العمل الصالح الذي ارتضاه ربهم لهم ، أولئك الموصوفون بما ذكر من معاني الكمال والصدق ، المشار إليهم ، المتميزون لعلو درجتهم ، هم أصحاب الجنة الملازمون لها ، وهم فيها خالدون ، وقد جاء قوله تعالى : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) بين العمل وجزائه على سبيل الاعتراض ، للإشارة إلى أن هذا العمل الصالح الذي يستحق صاحبه دخول الجنة ليس شاقا ولا فوق طاقة البشر ، بل هو عمل سهل في متناول اليد متى حل في قلب الإنسان نور الإيمان وهدى القرآن.
هم في الجنة خالدون ، لا يحزنهم الفزع الأكبر ، ولا يكدرهم كدر ، ولا يؤلمهم ألم ، وليس بينهم شر ، لأن الله نزع ما في صدورهم من حسد وعداوة ، وغل وحقد.
وهكذا نعيم الجنة : أكلها دائم وظلها كذلك ، وفيها الأنهار تجرى من تحتهم فيرونها تفيض بالماء وهم في غرفاتهم آمنون ، فيزدادون حبورا وسرورا.
وقالوا شاكرين نعمه : الحمد لله الذي هدانا لهذا العمل حتى أخذنا ذلك الثواب ، وما كان من شأننا ولا من مقتضى تفكيرنا أن نهتدي إليه بأنفسنا لولا أن هدانا الله ووفقنا لاتباع الرسل.
وقالوا لما رأوا كل شيء يجرى على حسب ما أخبر به الرسل : لقد جاءت الرسل بالحق وصدقنا الله وعده في الدنيا ، وهذه الملائكة تناديهم : سلام عليكم طبتم ، فادخلوها خالدين ، فهذه هي الجنة التي أورثتموها وصارت لكم كما يصير الميراث لأصحابه ، جزاء أعمالكم.
وفي الآية دليل على أن الإنسان يدخل الجنة بعمله ، وفي الحديث : «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته» والمخرج من هذا أن عمل الإنسان مهما كان لا يستحق به ذلك النعيم الواسع العريض لولا رحمة الله وفضله ، ومن ثم قيل في الحديث : «فسددوا وقاربوا» أى : لا تبالغوا. والله أعلم.