المعنى :
أقسم الله ـ سبحانه وتعالى ـ إظهارا لكمال العناية بمضمون المقسم عليه لما له من الأثر في تربية النفوس ، أقسم أنه أخذ آل فرعون بالقحط والجدب والسنين العجاف ، وقد شاع استعمال القرآن كلمة (أخذ) في العذاب والشدة (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) [سورة هود آية ١٠٢].
ولقد أخذناهم بهذا كله لعلهم يتذكرون ويتعظون ، وذلك أن من سنته تعالى أن يرسل الزواجر من المصائب والآفات والنقص في الثمرات تنبيهات لعل أصحابها ترجع وتثوب ، فإن ثابت واهتدت كان الخير ، إلا فالهلاك المحتوم ، والقضاء المعلوم ، وقد كان آل فرعون من النوع الأخير ومثلهم كل شخص أو أمة لم تنتبه للزواجر ، ولم تتعظ بالحوادث في كل زمان إلى يوم القيامة.
فإذا جاءت أمة فرعون الحسنة من الخير والنماء ، والزيادة في الثمرات قالوا : إنما أوتينا هذا على علم ومعرفة ، وهذا لنا نستحقه بعملنا ، وإن أصابتهم سيئة الجدب وقلة الثمر وهلاك الزرع تشاءموا واطّيّروا بموسى ومن معه يا سبحان الله!! أهكذا يكون ضيق العقل وفساد الرأى وعدم التوفيق؟ فهم يقولون عند حلول المصائب بهم : ما هذا إلا بشؤم موسى وقومه ، وغفلوا عن سيئات أعمالهم ، وشرور أنفسهم (إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [سورة النساء آية ٧٨].
ألا إن كل ما يصيبهم من خير وشر فهو بقضاء الله وقدره ، والله قد قضى أن يكون الخير ابتلاء أيشكر صاحبه أم يكفر؟ وقضى أن يكون الشر ابتلاء كذلك هل يرجع صاحبه عن الغي والفساد أم يظل سادرا في الطغيان والضلال؟!! والله قد قضى كذلك أن تكون أعمال العباد سببا فيما ينزل بهم من خير وشر غالبا ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون الحكمة الإلهية في تصريف الكون ، ولا يعلمون كيف ربطت الأسباب بمسبباتها ، وأن كل شيء عنده بمقدار ، فليس هناك شيء بشؤم موسى أو غيره ، ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون.
ومع ذلك كله فقد قالوا : مهما تأتنا به من آية تستدل بها على صدقك وأنك محق في