أما القرية فالله أعلم بها ، وإن قيل : إنها أبلة.
وتلك قصة أخرى ما كان يعرفها النبي صلىاللهعليهوسلم ولا قومه ولكنه علمها عن طريق الوحى ، وهذا سؤال تقرير ، أى : قروا بهذا ، والمراد التقريع والتوبيخ على أعمالهم السابقة ، وبيان أن كفر المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم ليس بدعا بل هو موروث.
واسألهم يا محمد عن أهل القرية القريبة من البحر وقت أن اعتدوا على حدود الله ، وتجاوزوها يوم السبت ـ وهو يوم يعظمونه بترك العمل فيه وجعله للعبادة ـ إذ تأتيهم أسماكهم يوم السبت ظاهرة على وجه الماء ، قريبة لا تحتاج في الصيد إلى عناء ، وفي غير يوم السبت تختفى ولا تظهر.
مثل ذلك البلاء المذكور نبلو السابقين والمعاصرين ، ونعاملهم معاملة من يختبر حالهم ليجازى كلا على عمله ، كل ذلك بسبب ما كانوا يفسقون ويخرجون عن طاعة الله.
ظهرت المعاصي جهارا فكان منهم من أنكر عليهم ذلك : واذكر إذ قالت جماعة منهم عظيمة لمن يعظهم وينكر عليهم عصيانهم ، قالت : لم تعظون قوما كهؤلاء قد قضى الله عليهم بالهلاك والفناء أو بالعذاب الشديد؟
قال الوعاظ للائمين : نعظهم حتى نعذر أمام ربكم عن السكوت على المنكر ، ولعلهم يتقون فإذا نوقشنا الحساب يوم القيامة ماذا كان موقفكم عند شيوع المنكرات؟ نقول : قد فعلنا ما أمرتنا به فنكون بذلك معذورين ، فلما نسى المرتكبون للذنب ما ذكروا به ، وتركوا العمل بالمواعظ حتى كأنهم نسوها ، أنجينا الذين ينهون عن السوء وهما الفريقان فريق الواعظين وفريق اللائمين ، الظاهر ـ كما قال ابن عباس ـ أن بعضهم كان ينكر قولا وفعلا وهم الوعاظ ، وبعضهم كان ينكر بقلبه وهم اللائمون.
وأخذنا الذين ظلموا أنفسهم منهم بالمعاصي أخذناهم بعذاب شديد.
والرأى ـ والله أعلم ـ أن العذاب للفريقين فريق العصاة وفريق اللائمين وإن يكن عذاب الآخرين خفيفا بظاهر الآية ولتعليل النجاة بالنهى عن السوء والنهى كان للواعظين فقط.
أما من يسكت بل ويلوم الوعاظ على العمل والوعظ فهذا ذنب كبير ، اللهم إلا إذا قلنا : إنه ينكر بقلبه ويائس من نصحهم ، والله أعلم.