المعنى :
قولوا أيها المؤمنون بعد مقالتكم الأولى وهي : إنا نؤمن بالله وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وكتبه قولوا : صبغنا الله بصبغة الإيمان وتطهير النفوس من أدرانها ، وهل هناك صبغة أحسن من صبغة الإسلام؟ ومن صبغته أحسن من صبغة الله الحكيم الخبير؟ ونحن لله الذي أولانا هذه النعم الجليلة التي منها نعمة الإسلام والهداية عابدون ومخلصون وقانتون ، ثم بعد هذا أمر الله نبيه بأمر خاص به وهو : قل لهم يا محمد : أتجادلوننا في دين الله وتدّعون أن دينه الحق هو اليهودية أو النصرانية؟ وتبنون دخول الجنة والاهتداء عليهما وتقولون تارة : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وتارة تقولون : كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ؛ أتجادلوننا في دين الله وهو ربنا وربكم لا فرق بيننا وبينكم في العبودية لله ؛ فهو مالك أمرنا وأمركم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم الحسنة والسيئة ، ونحن لله مخلصون في تلك الأعمال لا نقصد بها إلا وجهه وإن أتى منا سوء فبغير قصد ونية فكيف تدعون أن لكم الجنة والهداية دون غيركم؟!! قل لهم يا محمد : أى الطريقين تسلكون؟ إقامة الحجة على ما أنتم عليه وقد ظهر أن لا حجة لكم؟ أم تسلكون طريق التقليد من غير برهان والكذب على الله والأنبياء فتقولون : إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط هود ، ويقول الناس : النصارى كانوا نصارى فنحن مقتدون ، والمراد إنكار الطريقين وتوبيخهم على كلا الأمرين ، قل لهم يا محمد : أأنتم أعلم أم الله؟! ولا أحد في الوجود أظلم ممن يكتم شهادة ثابتة عنده من الله وهي شهادته ـ سبحانه وتعالى ـ لإبراهيم ويعقوب بالحنيفية والبراءة من اليهودية والنصرانية ، فلو كتمناها لكنا أظلم الناس كما أنكم تكتمون شهادة عندكم من الله للنبي العربي محمد صلىاللهعليهوسلم وليس الله غافلا عن أعمالكم فهو محصيها ومجازيكم عليها ، تلك أمة من الأنبياء والرسل قد مضت لها أعمالها الحسنة والسيئة ونحن لا نسأل عنها وهم لا يسألون عن أعمالنا ، كرر هذه للمبالغة في الزجر عما هم عليه من الافتخار بالآباء والاتكال على الماضي وهذا شأن العاجز الضعيف الذي ينظر إلى الماضي ولا يتجه إلى المستقبل.
فهب أن أباك كان من الأولياء والأصفياء ولم تعمل شيئا تحمد عليه أفينفعك هذا؟ لا. (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) والله أعلم.