وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلى وهو بمكة متجها إلى الكعبة ، ثم لما هاجر أمر بتحويل القبلة إلى صخرة بيت المقدس تألفا لليهود وقد فرحوا بذلك.
وظل النبي صلىاللهعليهوسلم كذلك بضعة عشر شهرا إلا أنه كان كثيرا ما ينظر إلى السماء ويدعو الله أن يتوجه إلى قبلة أبيه إبراهيم وهي الكعبة ، فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق ، وكان أول صلاة صلاها هي العصر كما في الصحيحين.
المعنى :
علم الله ـ سبحانه وتعالى ـ ما سيكون عند تحويل القبلة من اضطراب بعض الناس اضطرابا قد يودى بإيمانهم ، وعلم ما سيقوله سفهاء الناس فأخذ يمهد تمهيدا دقيقا لتحويل القبلة حتى لا يفاجأ المسلمون بالتحويل واضطراب الناس وإنكارهم ، ولذا لقنهم الحجة ، ووضح لهم الطريق ثم بعد هذا أمرهم بالتحويل.
سيقول ضعفاء العقول والإيمان من اليهود والمنافقين والمشركين : أى شيء صرف المسلمين عن قبلتهم التي كانوا ثابتين عليها؟ فقد ساء اليهود انتقال القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، وأما المشركون فقصدهم الطعن في الدين وبيان أن التوجه في الحالين وقع بغير داع ، وأما المنافقون فهذا شأنهم من الدين وديدنهم.
فيرد الله عليهم : قل لهم يا محمد : لله تعالى ناحيتا المشرق والمغرب ، فالجهات كلها ملكه فلا اختصاص لناحية دون أخرى ، ولا مزية لها ، وإنما الأمر بيده يختار ما يشاء ، فأينما تولوا فثم وجه الله (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يهدى من يشاء إلى الصراط المستقيم ، ولقد هدى المؤمنين حقا إلى ذلك حيث أمرهم بالتوجه إلى بيت المقدس ثم رجع إلى الكعبة ، فامتثلوا أمره لأنهم على علم بأن المصلحة فيما أمر والخير فيما وجه.
ومثل هذه الهداية والتوفيق إلى الصراط المستقيم جعلناكم أيتها الأمة المحمدية وسطا عدولا بلا إفراط ولا تفريط في أى شيء من شئون الدين والدنيا ، فالأمة الإسلامية وسط في عقائدها العامة تحافظ على المادة والروح ، وتنمى هذا وذاك وهي وسط في معاملتها للفرد وللجماعة فلا تجعل الفرد يطغى على الجماعة باستبداده ولا تلغى شخصية