علمت أنى خنت الله ورسوله ، فنزلت الآية ، وقد شد نفسه على سارية المسجد وأبى الطعام والشراب حتى الموت ، أو يتوب الله عليه ، ومكث سبعة أيام وبعدها تاب الله عليه وفك النبي وثاقه.
المعنى :
يا من اتصفتم بالإيمان وتصديق الرحمن ، والاهتداء بالقرآن : لا تخونوا الله فتعطلوا فرائضه ، أو تنقصوا شيئا من أحكامه التي بيّنها لكم في كتابه ، فإن ذلك خيانة تتنافى مع الإيمان ، ولا تخونوا الرسول فيما أمركم به أو نهاكم عنه ، ولا تخونوه فترغبوا عن بيانه للقرآن فهو أدرى وأقرب ، فخيانة الله والنبي عبارة عن تعطيل فرائض الدين ، وعدم العمل بأحكامه والاستنان بسنته ، فإن هذا كله نقص لا يليق بالمؤمن والمؤتمن على دينه ، على أن الخيانة من صفات المنافقين ، والأمانة من صفات المؤمنين.
ولا تخونوا الأمانة التي في أيديكم لغيركم سواء كانت معاملات مالية أو شئونا أدبية أو سياسية أو سرا من الأسرار ، أو عهدا من العهود ، والحال أنكم تعلمون خطر الخيانة وسوء عاقبتها دنيا وأخرى ، وأنتم تعلمون الأمانة ومكانتها ، وقيل المعنى : وأنتم تعلمون أن هذا خيانة وذاك أمانة كما حصل لأبى لبابة.
واعلموا أن أموالكم وأولادكم فتنة وابتلاء ، وأى فتنة وابتلاء؟! إذ المال عند الإنسان شقيق الروح ، يركب الأخطار ، ويتحمل المشاق في سبيل الحصول عليه ، فإذا هو أعطى المال ؛ فهل يشكر ويرضى؟ أم يكفر ويعصى؟ وإذا حرم منه فهل يصير ويرضى أم يغضب ويلعن؟ أليس هو فتنة وابتلاء؟ على أن المال وحبه الغريزي قد يدفع صاحبه إلى عمل يوقعه في المهالك والمصائب.
وأما الولد فقطعة من أبويه فلذة كبدهما ، وثمرة فؤادهما. وحبه فطرة وطبيعة عند والديه ، ومن ثم يحملهما ذلك على بذل النفس والنفيس في سبيل راحته وسعادته وقد يؤدى ذلك إلى اقتراف الذنوب والآثام وركوب الشطط في سبيله ، أليست الأولاد فتنة بهذا المعنى وابتلاء ، وقد ورد «الولد ثمرة الفؤاد ، وإنه مجبنة مبخلة محزنة» أى : يدعو إلى ذلك كله.