المعنى :
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، إذا حاربتم جماعة من الكفار ، والتقيتم بهم في ميدان الحرب فالواجب عليكم أن تثبتوا في قتالهم وتصمدوا للقائهم ، وإياكم والفرار من الزحف ، وتوليتهم الأدبار. فالثبات فضيلة ، والفرار كبيرة يعاقب الدين عليها ؛ وعليكم بذكر الله في السراء والضراء وحين البأس ، فبذكره تطمئن القلوب ، وبدعائه تفكّ الكروب ، فهو القريب المجيب دعوة الداعي ، لا سيما إذا كان دعاء بالنصر على عدو الله ، اثبتوا عند اللقاء ، واذكروا الله كثيرا ، رجاء أن تفوزوا بالأجر والثواب ، والنصرة على الأعداء ... وأطيعوا الله في كل ما أمر به ونهى ، وكذا رسوله الكريم ؛ فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله ، وإياكم والنزاع فإنه مدعاة للفرقة وأساس الهزيمة ، وإنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم وكثرة اعتراضهم ، فالنزاع أداة الهلاك ، ومعول الهدم والشقاء ، به تذهب الدولة ، وتفنى القوة ؛ وعليكم بالصبر فهو سلاح المؤمن الذي لا يفل ، ولقد قيل : الشجاعة صبر ساعة ، وكفى بالصبر شرفا أن الله مع الصابرين بالمعونة والتأييد ، وإياكم أن تكونوا كأولئك الكفار الذين خرجوا من ديارهم ليحموا عيرهم خرجوا حالة كونهم بطرين طاغين بالنعمة ، غير شاكرين ؛ إذ قيل لهم : إن العير نجا فارجعوا ، فقال أبو جهل ، لا ، حتى نقدم بدرا ونشرب الخمور وتضرب القيان علينا بالدفوف ، وتسمع العرب بمقدمنا .. كما مر قريبا ، وكان مآلهم كما علمت ، بدل الله شرب الخمر بشرب كأس الموت ، وبدل ضرب القيان والغناء بنوح النائحات ، وبدل نحر الجزور بنحر الرقاب وهكذا!! لا تكونوا مثلهم بطرين أشرين مرائين الناس صادين عن سبيل الله ، فهذه من عوامل الهدم والفناء ، واعلموا أن الله بما يعمل العاملون محيط وسيجازى كلا على عمله.
فهذه هي النصائح التي تكفل النصر للمسلم : الثبات عند اللقاء ، وذكر الله والالتجاء إليه ، وطاعة الله وطاعة رسوله وكذا قائد الجيش ورئيس الدولة ما دام يأمر بما يرضى الله ورسوله ، وعدم النزاع والشقاق ، والصبر عند الشدائد ، وعدم البطر والرياء والكبر والخيلاء ...