إبراهيم ، والأمة المسلمة هي الوارثة لإبراهيم وإسماعيل ولعهد الله معهما ، فطبيعى أن ترث بيت الله في مكة ، وأن تتخذ منه قبلة ؛ لأنه بيت الله وتراث إبراهيم ، وبناؤه مع إسماعيل ، لأنها أدعى إلى إيمان العرب المعول عليهم في الرسالة ، وتطلعه إلى ما يظنه خيرا ، ويعتقد أن فيه الرضا والرضوان ، ولذلك أجابه الله إلى طلبه وقال : فلنوجهنك قبلة ترضاها وتحبها لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يحب إلا الخير.
وقد قرن الله الوعد بالأمر للإشارة إلى أن ما يرجوه النبي صلىاللهعليهوسلم هو ما تتطلبه الحكمة الإلهية فقال : فول وجهك وجهة المسجد الحرام فالواجب استقبال جهة الكعبة حقيقة في القرب وظنا في البعد.
ثم أمر المؤمنين عامة فقال : فحيثما كنتم فولوا وجوهكم جهته ، وكان يكفى الأمر للنبي صلىاللهعليهوسلم إذا أمره أمر لأمته إلا إذا خصص. ولكن أمر المؤمنين أيضا للتأكيد الذي اقتضته الحال في حادثة القبلة ، فإنها حادثة كبرى استتبعت فتنة عظمى كان لها أثر كبير ، ولتشتد قلوبهم ، وتطمئن نفوسهم فيضربون بأقوال المنكرين عرض الحائط.
ثم رجع القرآن لمناقشة أهل الكتاب ممن اشترك في هذه الفتن فقال : وإن اليهود والنصارى الذين أوتوا التوراة والإنجيل ليعلمون علما أكيدا أن هذا التحويل هو الحق الثابت لأنه في كتابهم ، ولكنهم دأبوا على إنكار الحق ، وترويج الباطل ، وما الله بغافل عن أعمالهم بل مجازيهم عليها.
ولقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم حريصا على إيمان أهل الكتاب لأن كلامهم مصدق عند العوام ، فكان يود لو تزال كل شبهة عندهم حتى يؤمنوا ، ولذا يقول الله تهدئة لخاطره وتسلية له : إنهم قوم منكرون معاندون فلا تنفعهم الآيات ، ولا تزيل شبههم الحجج الواضحات ، تالله لئن أتيتهم بكل آية رجاء أن تقنعهم باتباع قبلتك ما اقتنعوا ، ولا اتبعوك ، ولست أنت تابعا لقبلتهم ، قطعا لطمعهم في أن يعود النبي صلىاللهعليهوسلم إلى بيت المقدس ، فإنهم كانوا يمنون أنفسهم برجوع النبي إليه ، وكيف يرجى منهم اتباع قبلتك؟ وليست لهم قبلة واحدة ؛ فعيسى كانت قبلته مع موسى ولكن بعد موته وتحريف الإنجيل اتخذوا قبلة أخرى.
ثم هدد الله نبيه الكريم ورسوله الأمين بهذا التهديد حتى تعرف أمته خطر مخالفة كلام الله ، واتباع أهواء الناس وممالأتهم على حساب الدين.