المعنى :
هذا هو بيان الحكمة الداعية للبراءة من عهودهم ، مع أن الوفاء بالعهد فضيلة وشعبة من شعب الإيمان.
كيف يكون للمشركين عهد محترم عند الله وعند رسوله؟ وهذا استنكار لأن يكون لهم عهد حقيق وجدير بالمراعاة عند الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم والمراد : ليس لهم عهد على أى وضع وحال ، وهذا أبلغ في النفي من غيره ، ولكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ، وهم الذين سبق استثناؤهم في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) الآية. وهذا مقيدا بأنهم يستقيمون لكم ولا يقدمون أى إساءة ، فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ، وأتموا لهم عهدهم إلى مدتهم على هذا الأساس وهو عدم تعديهم عليكم ، إن الله يحب المتقين الذين يوفون بالعهد ولا يظلمون.
وكيف يكون لهم عهد محترم وذمة عند الله وعند رسوله؟ والحال أنهم إن يظهروا عليكم ، ويظفروا بكم ، لا يراعون في شأنكم قرابة ولا صلة ، ولا يراقبون فيكم عهدا ولا ذمة ، وهم يرضونكم بألسنتهم ، وقلوبهم قد ملئت حسدا وحقدا ، وتأبى قلوبهم أن تكون معكم أبدا ، ولا غرابة في ذلك فأكثرهم فاسقون وخارجون عن حدود الدين والمروءة ، فالوفاء بالعهد للذين يخافون الله أو حساب الضمير ، وهم قد اشتروا بدل الآيات الإلهية الداعية للمثل العليا الكريمة ثمنا قليلا تافها وشيئا حقيرا ، وهو اتباع الأهواء ، والخضوع للشيطان ، ولذا تراهم صدوا عن سبيل الله ودينه الحق ، وبذلوا في سبيل الله كل مرتخص وغال ، إنهم ساء ما كانوا يعملون ، وبئس العمل عملهم!!
وهم لا يرقبون في شأن مؤمن ـ أيا كان ـ عهدا ولا ذمة على الإطلاق في أى وقت أو زمان ، وأولئك هم المعتدون المتجاوزون الغاية القصوى في الظلم والشر.
هؤلاء الذين وصفوا بهذا الوصف ، كيف يكون لهم عهد عند الله وعند رسوله؟! وكيف يثبت هؤلاء على عهدهم ، فهم يخضعون للقوة ، ويوفون للسيف لا للذمة ، وقد ثبت أنهم كذلك في الواقع.