المفردات :
(فَاسْتَبِقُوا) : تسابقوا. (الْحِكْمَةَ) : العلم النافع مع العمل.
كل هذا تأييد للدعوى وبطلان لكلام المنكرين.
المعنى :
لكل فريق من الأمم قبلة هو موليها وجهه ، فلليهود قبلة ، وللنصارى قبلة ، وللمسلمين قبلة ، فلم تكن جهة من الجهات قبلة لكل الأمم ، وليست القبلة ركنا من أركان الدين ، وليست مهمة لهذه الدرجة ، وإنما المهم أن تتسابقوا إلى الخيرات حتى تحرزوا قصب السبق ، لا أن تجادلوا وتعترضوا على تحويل القبلة ، والله ـ سبحانه ـ يستوي عنده كل مكان ؛ فأينما تكونوا يأت بكم الله جميعا يوم القيامة فيحاسبكم على أعمالكم ، والله على كل شيء قدير وفي هذا تهديد للمنكرين.
ثم أعاد الله ـ سبحانه ـ الأمر للنبي صلىاللهعليهوسلم بتولية وجهه جهة المسجد الحرام مرة ثانية. ثم أعاده مرة ثالثة ، وليس في هذا تكرير ، بل تأكيد للأمر بتحويل القبلة في صور مختلفة ليعلم أن التوجه إلى الكعبة ليس خاصا بوقت دون وقت وبمكان دون مكان في الحضر أو السفر ، ولقد بنى القرآن على كل أمر ما يناسبه. فمع الأول أثبت أن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أنه الحق ، ومع الثاني بين أنه الحق الثابت من عند الله ، ومع الأمر الثالث الحكمة في تحويل القبلة.
الحكمة الأولى : لئلا يكون للناس على الله حجة ، فأهل الكتاب يعرفون أن النبي المبشّر به عندهم قبلته الكعبة ؛ فجعل القبلة إلى بيت المقدس دائما طعن في نبوته ، والمشركون من العرب كانوا يرون أن نبيا من ولد إبراهيم ـ عليهالسلام ـ جاء لإحياء ملته لا ينبغي له أن يستقبل غير بيت ربه الذي بناه جده إبراهيم ، فقد جاء التحويل موافقا لما يرونه ، فانتفت حجة الفريقين.
إلا الذين ظلموا أنفسهم فهم لا يهتدون بكتاب ، ولا يؤمنون بحجة ، ولا يعتدّون ببرهان لأنهم السفهاء فلا تخشوهم واخشون ، وتشير الآية إلى أن صاحب الحق هو الذي يخشى وغيره يجب ألا ينظر إليه.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ الحكمة الثانية في تحويل القبلة : ولأتم نعمتي عليكم إذ لا شك أن محمد بن عبد الله نبي عربي من ولد إبراهيم ، والكتاب المنزل عليه عربي ، وقد ظهر