أما محبة الآباء فغريزة عند الأبناء ، إذ الولد يشعر أن أباه هو سبب وجوده وأنه قطعة منه وهو مثله الأعلى ، والأب هو المخلوق الذي عطف عليه ورباه ، ولا تنس أن الآباء مفخرة العرب (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) (١) ومحبة الأبناء غريزة ، فالولد محط الأمل ، وهو قطعة من الفؤاد وفلذة من الكبد ، وهو الجزء الباقي بعد الإنسان ، لا يحب أن يتميز عليه إنسان إلا هو ؛ والأخ هو اليد القوية والساعد لأخيه ، وابن أمه وأبيه (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) (٢) وحب الزوجة شعور خاص ليس له ضريب فهو الذي يسكن إليها ، وتهدأ ثورة الطبيعة عندها وقد كانت محط نظره ومحل أمله ، وأما حب المال والتجارة فطبيعة عند كل إنسان ، وقد كان أكثر المسلمين يشتغلون بالتجارة ، وحب المسكن الذي ألفه الشخص غريزى أيضا ، فهو وطنه ، وأول أرض مس جسمه ترابها ... فهذه الثمانية المحبوبة بالطبيعة جعلت بعض المسلمين يكرهون القتال (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) (٣) لذلك لم يفرض إلا للضرورة القصوى.
والآية الكريمة تشير إلى إيثار حب الله ورسوله والجهاد في سبيله على كل منفعة في الأرض.
أما حب الله فيجب أن يكون هو المقدم لأنه صاحب النعم والفضل واهب الوجود والكون ، خلقنا ورزقنا وأحيانا. وهو الذي أوجد الآباء والأبناء والمال والتجارة والمساكن ، على أنه متصف بكل كمال ومنزه عن كل نقص.
وأما حب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو دون حبه ـ تعالى ـ وفوق حب تلك الأصناف الثمانية ، فهو زعيم العلماء العاملين وقدوة الهداة والراشدين ، وهو المثل البشرى الأعلى والأسوة الحسنة في الخلق والأدب والفضل ، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين ، قد جعل القرآن علامة محبة الله اتباع النبي صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) [سورة آل عمران آية ٣١].
وأما الجهاد في سبيل الله بأى نوع منه فدرجته لا تخفى وتفضيله على الأصناف الثمانية السابقة أمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان : «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها».
__________________
(١) سورة البقرة آية ٢٠٠.
(٢) سورة القصص آية ٣٥.
(٣) سورة البقرة آية ٢١٦.