هذا تهديد للمنافقين وإنذار لهم بالجهاد كالكفار المجاهرين أعداء النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين ؛ والكفار على أنواع ، منهم المجاهرون المقاتلون وهؤلاء أمر النبي بقتالهم بالسيف ، ومنهم غير المحاربين وهم المعاهدون ، والمنافقون الذين قال الله فيهم : (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) وكان يعاملهم باللطف واللين ولا غرابة في ذلك ؛ فقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم رحيما كريما ذا خلق عال ، ليس فيه غلظة ولا جفوة يقول في كلامه : «شر الناس من يخاف شره»
والأحاديث الواردة عنه في هذا الباب كثيرة ، وقد كان يعامل المنافقين كما يعامل المسلمين تماما مما جرأهم على لمزه وعيبه ، والنيل منه بل ورد السلام عليه بقولهم : (السام) حتى كان منهم ما كان وعرفناه في هذه السورة والتي قبلها ـ ولذلك أمره الله ـ تعالى ـ في هذه الآية بالغلظة على الفريقين.
المعنى :
يا أيها النبي جاهد الكفار غير المحاربين والمنافقين واغلظ عليهم لا تعاملهم باللين والبشاشة ، ولا تقبل عليهم بوجهك الباسم بل اعبس في وجوههم ، وسيأتى قريبا أنهم يمنعون من القتال مع المسلمين ، ولا تصل على أحد مات منهم أبدا كما سيأتى ، وهذا جهاد لأنه يخالف لين النبي وأدبه ورحمته بالناس ، وهذا علاج رباني ، فإن المذنب إذا عومل معاملة لينة ربما أطغته وجعلته يتمادى ، وبالعكس لو عومل بالشدة نوعا ما كما يقول عمر ـ رضى الله عنه ـ : «أذلوهم ولا تظلموهم» كان ذلك أدعى إلى أن يرجع إلى نفسه ويحاسبها حسابا قد ينتج عنه رجوعه إلى الجادة ، ولست أرى أشد على المذنب من إنكار الناس عليه ، وهذا دواء من حكيم عليم.
وفي التفسير المأثور : جاهد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان ، وهذا عذابهم في الدنيا ، أما في الآخرة فمأواهم جهنم ، وبئس المصير مصيرهم.
ولقد استأنف القرآن بيان سبب هذا حيث أثبت لهم الكذب الصريح واليمين الفاجرة ، وهمهم بالفعل الشنيع ، وأنهم جعلوا سبب الرضا والشكر سبب النقمة والكفر ، ألا ساء ما كانوا يعملون.
يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوه