إن الذين يخفون ما أنزل الله بكتمه على الناس مع شدة الحاجة إليه ، أو وضع شيء مكذوب من عندهم مكانه فجزاؤهم الطرد من رحمة الله ، وغضب الله عليهم ، فاليهود قد كتموا الآيات الواضحات الدالة على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم والآيات الهاديات إلى حقيقة أمره ووجوب اتباعه والإيمان به ، كل ذلك من بعد ما بينها المولى ـ جل شأنه ـ ووضحها في التوراة ماذا يكون جزاؤهم؟ أليس هو الطرد من رحمة الله؟ ودعاء الملائكة أجمعين عليهم إلا من تاب منهم ورجع عن كتمان كلام الله ، وأصلح ما أفسده بأن أزال ما وضعه من عنده ، وكتب الأصل وبلّغ ما أنزل الله من غير تحريف ولا تبديل ، فأولئك البعيدون في درجة الكمال بتوبتهم وإيمانهم يتوب الله عليهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم ؛ لأنه هو التواب الرحيم.
هذا شأن من تاب وأناب ، ومن عاند وظل يغير ويحرف حتى مات!! فأولئك الذين كفروا بالله ورسله وماتوا على الكفر ، أولئك عليهم لعنة الله وحقت عليهم كلمته وعليهم لعنة الملائكة والناس أجمعين خالدين في النار وماكثين مكثا الله أعلم به ، لا يخفف عنهم من عذابها ، ولا يمهلون.
ما تشير إليه الآية :
الإجماع منعقد على أن السعى بين الصفا والمروة من أعمال الحج والعمرة ، والخلاف في حكمة فعن أحمد أنه سنة ، وعن أبى حنيفة أنه واجب يجبر بدم ، وعن مالك والشافعى أنه ركن لقوله صلىاللهعليهوسلم : «اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السّعى» (١).
آية كتمان ما أنزله الله نزلت في اليهود ، ولكن العبرة بعموم اللفظ ، فمن كتم حكما شرعيا أو علما نافعا أو رأيا ناضجا خالصا لوجه الله والوطن دخل تحت طائلة هذا العقاب.
__________________
(١) رواه أحمد ٦ / ٤٢١ والشافعى وغيرهما وللحديث طريقة أخرى عند ابن خذيمة إذا انضمت إلى الأولى قويت قاله ابن حجر في الفتح ٣ / ٥٨٢.