قصد المتكلم للحكاية عن النسبة ، وشأنها في ذلك شأن ما سوى الألفاظ من الأمارات الجعلية.
وقد حققنا : أن الوضع هو التعهد بجعل لفظ خاص أو هيئة خاصة مبرزا لقصد تفهيم أمر تعلق غرض المتكلم بتفهيمه ، وقد أوضحنا ذلك كله في محله (١) هذا هو مفاد الجملة الخبرية ، والكلام النفسي ـ عند القائل به ـ موجود نفساني من سنخ الكلام مغاير للنسبة الخارجية ولقصد الحكاية.
وأما الجمل الانشائية فهي كالجمل الخبرية ، والفارق بينهما أن الجمل الانشائية ليس في مواردها خارج تطابقه النسبة الكلامية أو لا تطابقه وعليه فالامور التي لا بد منها في الجمل الانشائية سبعة ، وهي بذاته الأمور التسعة التي ذكرناها في الجمل الخبرية ما عدا السابع والثامن منها ، وقد علمت أن الكلام النفسي عند القائلين به ليس واحدا منها.
ولعل سائلا يقول : ما هو مفاد هيئة الجملة الإنشائية؟ ...
المعروف بين العلماء أنها موضوعة لإيجاد معنى من المعاني نحو إيجاد مناسب لعالم الإنشاء ، وقد تكرر في كلمات كثير منهم أن الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ ، وقد ذكرنا في مباحثنا الاصولية أنه لا أصل للوجود الإنشائي ، واللفظ والمعنى وإن كانت لهما وحدة عرضية منشأها ما بينهما من الربط الناشئ من الوضع ، فوجود اللفظ وجود له بالذات ووجود للمعنى بالعرض والمجاز ، ومن أجل ذلك يسري حسن المعنى أو قبحه الى اللفظ ، وبهذا المعنى يصح أن يقال : وجد المعنى باللفظ وجودا لفظيا ، إلا أن هذا لا يختص بالجمل الإنشائية ، بل يعم الجمل الخبرية والمفردات أيضا.
__________________
(١) في كتابنا «أجود التقريرات» في الأصول ، المطبوع مع تعليقاتنا. (المؤلف)