وغيرها وكل هذه المرجحات موجبة لتقديم السند فالدليلان المتعارضان إذا كان أحدهما مشتملا على هذه المرجحات كلا أو بعضا ولم يكن الآخر كذلك فهو يؤخذ سندا ودلالة والآخر يطرح رأسا.
ثم إن العلماء رضي الله عنهم قسموا هذه المرجحات بتقسيمات مختلفة وأدخلوها تحت عناوين متعددة.
منها : تقسيمها باعتبار موردها ومحل عروضها ، إلى ما يعرض السند وما يعرض المتن وما يعرض المضمون.
بيانه : أن كل خبر وارد عن المعصوم «عليهالسلام» مشتمل على أمور أربعة : السند والمتن والجهة والمضمون ، فالسند هو الشخص أو الأشخاص الناقلين له ، والمتن هي عبارات الخبر وألفاظه الحاكية عن المعاني ، والجهة هي علة صدور الكلام عن الإمام «عليهالسلام» من بيان الحكم الواقعي أو التقية والمضمون هو المعنى المراد من الألفاظ.
فحينئذ نقول إن بعض تلك المرجحات يعرض السند كالأعدلية والأوثقية وغيرهما من صفات الراوي ، وبعضها يعرض المتن كالشهرة الروائية والفصاحة ونحوهما ، وبعضها يعرض المضمون كموافقة الكتاب والسنة والأصل ومخالفة العامة ، فإن المتصف بها معنى الخبر لا ألفاظه.
ومنها : تقسيمها باعتبار مورد الرجحان أعني ما يكون المرجح سببا لتقديمه على صاحبه إلى ما يرجح الصدور ، وما يرجح الجهة ، وما يرجح المضمون.
فالأصدقية والأوثقية مثلا ترجحان صدور ما رواه الأصدق والأوثق بمعنى أنه لو دار الأمر بين الحكم بعدم صدور خبر الصادق أو خبر الأصدق فإنه يقوى في الذهن عدم صدور الأول وصدور الثاني.
ومخالفة العامة ترجح الجهة ، بمعنى أن احتمال التقية وعدم الصدور لبيان الحكم الواقعي موجود في الموافق دون المخالف ، فهذا المرجح يقوي جهة الخبر المخالف أولا وبالذات ويوجب ثانيا وبالعرض تقوية سنده فيؤخذ هو ويطرح الآخر الموافق سندا ودلالة ، لا أنه يؤخذ السند من كليهما ويحكم بصدور الموافق للعامة تقية والمخالف لها لبيان الحكم الواقعي كما توهم.