واستحقاق العقوبة عليها عقلا وهو واضح ،كما أنه لا إشكال في حرمة المخالفة الالتزامية للأحكام الأصولية الاعتقادية ، فإذا وجب عقد القلب على كون المعاد والمعراج جسمانيين كان ترك الاعتقاد بهما مخالفة التزامية وعصيانا ، وأما حرمة المخالفة الالتزامية ووجوب موافقتها بالنسبة إلى الأحكام الفرعية ففيه خلاف وإشكال ، والمشهور عدمها إذ لا يستفاد من قوله ادفن الميت مثلا إلا وجوب الدفن خارجا وحرمة تركه عملا لا لزوم الاعتقاد بوجوبه قلبا مضافا إلى العمل خارجا ، فلو دفن الميت لم يكن مستحقا للعقاب ولو لم يعتقد قلبا بل فعله اقتراحا ، كما أنه لو تركه لم يستحق العقاب إلا على تركه عملا اللهم إلا أن تستلزم المخالفة الالتزامية المخالفة العملية كما في العبادات.
وبعبارة أخرى لا يخلو حال المكلف عن أحد أمور أربعة : العمل خارجا والالتزام قلبا وترك العمل والالتزام معا وفعل الأول وترك الثاني وعكسه ، فعلى القول بوجوب الالتزام مضافا إلى العمل يلزم استحقاقه لثوابين في الأول ولعقابين في الثاني ولثواب وعقاب في الثالث والرابع ، وهذا خلاف عمل العقلاء وبناؤهم في التكليف الواحد فيرون المكلف مستحقا لثواب واحد في الأول والثالث ولعقاب واحد في الثاني والرابع ، فنعلم حينئذ أن الملاك في الثواب والعقاب هو العمل لا الاعتقاد.
الثاني : المراد من الالتزام المذكور هو البناء الباطني والعقد القلبي وفي اتحاد هذا المعنى مع العلم أو مغايرته له أقوال :
أحدها : مغايرته له بمعنى كونه قلبيا اختياريا يجتمع مع العلم بالمعتقد والشك فيه ويمكن تركه ولو مع وجود اليقين ، فالشك في وجوب الجمعة مثلا أمر وعقد القلب عليه أمر آخر ، والأول قهري الحصول والزوال غالبا والثاني اختياري دائما ، وكذا اليقين بوجوبها أمر والالتزام به وعدم الالتزام أمر آخر ، فبينهما تباين ذاتا وعموم من وجه تحققا.
ثانيها : أنه عين العلم بالحكم ولا نتعقل معنى للالتزام الباطني وعقد القلب على الوجوب مثلا سوى العلم به.
ثالثها : أنه وإن كان غير العلم إلا أنه لا يتحقق إلا في مورد العلم دون الشك