ومنهم : من ينكر الوصول بنحو العلم ويدعي انفتاح باب العلمي إلى غالب الأحكام بمعنى أن لنا طرقا وأدلة مجعولة من طرف الشرع والعقل موصلة إلى معظمها أو جميعها وافية في إثباتها ، كخبر الثقة والإجماع المحصل والمنقول والشهرة الفتوائية وحكم العقل ، وتلك الطرق مقطوعة الاعتبار ويطلق عليها العلمي للعلم باعتبارها وكون دليل اعتبارها قطعيا ، فهو يدعي انفتاح باب العلمي دون العلم ، وليسم هذا المعنى انفتاحا حكميا والقول به مشهور شهرة عظيمة تقرب من الاتفاق.
ومنهم : من يدعي الانسداد وأنه لا طريق لنا إلى الواقع لا علما ولا علميا ويطلق على هذا المعنى الانسداد وعلى قائله الانسدادي.
ثم اعلم أن للقائل بالانسداد عند الشك في التكاليف الواقعية دليلا عقليا يطلق عليه دليل الانسداد ، وعلى مقدماته مقدمات الانسداد ، ونتيجة ذلك الدليل وجوب العمل بكل ظن تعلق بثبوت الأحكام الواقعية أو بسقوطها سواء حصل من ظواهر الكتاب والسنة أو غيرهما ويعبرون عن كل ظن ثبت حجيته بهذا الدليل بالظن المطلق في مقابل الظن الخاص الذي ثبت حجيته بغير هذا الدليل.
وهذا الدليل مبني على مقدمات خمس :
الأولى : أنا نعلم إجمالا بوجود أحكام واقعية كثيرة في الشرع.
الثانية : أنه قد انسد علينا باب العلم والعلمي بكثير منها.
الثالثة : أنه لا يجوز لنا إهمالها والإعراض عنها وعن التعرض لموافقتها وامتثالها لأنه مستلزم للخروج عن الدين.
الرابعة : أنه لا يجب أو لا يجوز الاحتياط الكلي في أطرافها
بمعنى فعل جميع مظنونات الوجوب ومشكوكاته وموهوماته من أفعال المكلفين وترك جميع مظنونات الحرمة والمشكوكات والموهومات منها فإنه مستلزم للعسر والحرج فلا يجب أو لاختلال النظام فلا يجوز ، ولا يجوز التقليد أيضا لأن الكلام في المجتهد الذي يرى عدم وفاء نصوص الكتاب والمتواتر من الأخبار إلّا بالقليل من الأحكام وعدم حجية أخبار الآحاد ، فرجوعه إلى المجتهد الآخر وأخذ فتاويه المأخوذة من الخبر الواحد مثلا من قبيل رجوع العالم إلى الجاهل.