ويمنع من أن يغلط بعضهم بعضا في قراءته ، بل ربما يؤدي ذلك إلى الكفر كما اعترف به الرازي في المحكي من تفسيره الكبير ، ودعوى أن كل واحد من هؤلاء ألف قراءته من متواترات رجحها على غيرها ، لخلوها عن الروم والإشمام ونحوهما ، وبه اختصت نسبتها اليه كما ترى تهجس بلا درية ، فإن من مارس كلماتهم علم أن ليس قراءتهم إلا باجتهادهم وما يستحسنوه بأنظارهم كما يومي اليه ما في كتب القراءة من عدهم قراءة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي وأهل البيت عليهمالسلام في مقابلة قراءاتهم ، ومن هنا سموهم المتبحرين ، وما ذاك إلا لأن أحدهم كان إذا برع وتمهر شرع للناس طريقا في القراءة لا يعرف إلا من قبله ، ولم يرد على طريقة مسلوكة ومذهب متواتر محدود ، وإلا لم يختص به ، بل كان من الواجب بمقتضى العادة أن يعلم المعاصر له بما تواتر اليه ، لاتحاد الفن وعدم البعد عن المأخذ ، ومن المستبعد جدا أنا نطلع على التواتر وبعضهم لا يطلع على ما تواتر إلى الآخر.
كما أنه من المستبعد أيضا تواتر الحركات والسكنات مثلا في الفاتحة وغيرها من سور القرآن ولم يتواتر إليهم أن البسملة آية منها ومن كل سورة عدا براءة ، وأنه تجب قراءتها معها سيما والفاتحة باعتبار وجوب قراءتها في الصلاة تتوفر الدواعي إلى معرفة ذلك فيها ، فقول القراء حينئذ بخروج البسامل من القرآن كقولهم بخروج المعوذتين منه أقوى شاهد على أن قراءتهم مذاهب لهم ، لا أنه قد تواتر إليهم ذلك ، وكيف والمشهور بين أصحابنا بل لا خلاف فيه بينهم كما عن المعتبر كونها آية من الفاتحة ، بل عن المنتهى أنه مذهب أهل البيت ، بل النصوص (١) مستفيضة فيه إن لم تكن متواترة كالإجماعات على ذلك ، بل وعلى جزئيتها من كل سورة ،
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.