وقد وقف الزمخشري على أنّ قراءة الجر تلزم الإنسان بمسح الأرجل لا غسلهما ، فصار بصدد منع الدلالة ، وانّ الأرجل وإن كانت معطوفة على الرءوس ومع ذلك يفقد العطف الدلالة على الغسل ، قال :
قرأ جماعة ( وَأَرْجُلَكُمْ ) بالنصب فدلّ على أنّ الأرجل مغسولة.
فإن قلت : فما تصنع بقراءة الجر ودخلوها في حكم المسح؟
قلت : الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها ، فكان مظنة للإسراف المذموم المنهيّ عنه ، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح ولكن لينبّه على وجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها وقيل إلى الكعبين. (١)
يلاحظ عليه أوّلا : أنّ ما ذكره من الوجه إنّما يصحّ إذا كانت النكتة ممّا تعيه عامة المخاطبين من المؤمنين ، وأين هؤلاء من هذه النكتة التي ابتدعها الزمخشري توجيها لمذهبه؟
وبعبارة أخرى : انّما يصحّ ما ذكره من النكتة إذا أمن من الالتباس لا في مثل المقام الذي لا يؤمن منه ، وبالتالي يحمل ظاهر اللفظ على وجوب المسح غفلة عن النكتة البديعة!! للشيخ الزمخشري.
وثانيا : أنّ الأيدي أيضا مظنة للإسراف مثل الأرجل ، فلما ذا لم ينبّه على وجوب الاقتصاد في صب الماء فيها أيضا؟!
كل ذلك يعرب عن أنّ هذا الوجه توجيه للمذهب الذي نشأ وترعرع صاحب الكشاف عليه ، ولو لا ذلك لم يرد بخلده هذا الوجه.
__________________
١. الكشاف : ١ / ٣٢٦.