لما وقف ابن قدامة على أنّ مقتضى عطف الأرجل على الرءوس هو المسح ، سواء أقرأت بالنصب أو بالجر ، أخذ يتفلسف ويجتهد أمام الدليل الصارم ويقول : إنّ هناك فرقا بين الرأس والرجل ، ولأجله لا يمكن أن يحكم عليهما بحكم واحد ، وهذه الوجوه عبارة عن :
١. انّ الممسوح في الرأس شعر يشقّ غسله ، والرجلان بخلاف ذلك فهما أشبه بالمغسولات.
٢. انّهما محدودان بحد ينتهي إليه فأشبها باليدين.
٣. انّهما معرّضتان للخبث لكونهما يوطّأ بهما على الأرض بخلاف الرأس. (١)
يلاحظ عليه : أنّه اجتهاد مقابل النص وتفلسف في الأحكام.
فأمّا الأوّل : فأيّ مشقّة في غسل الشعر إذا كان المغسول جزاء منه فإنّه الواجب في المسح ، فليكن كذلك عند الغسل.
وأمّا الثاني : فلانّ التمسك بالشّبه ضعيف جدا ، إذ كم من متشابهين يختلفان في الحكم.
وأفسد منه هو الوجه الثالث فإنّ كون الرّجلين معرّضتين للخبث لا يقتضي تعيّن الغسل ، فإنّ القائل بالمسح يقول بأنّه يجب أن تكون الرّجل طاهرة من الخبث ثمّ تمسح.
ولعمري إنّ هذا الوجه وما تقدّمه للزمخشري تلاعب بالآية لغاية دعم المذهب ، والجدير بالفقيه الواعي هو الأخذ بالآية ، سواء أوافقت مذهب إمامه أم لا. ولصاحب المنار كلمة قيّمة في حقّ هؤلاء الذين يقدّمون فتاوى الأئمّة على
__________________
١. المغني : ١ / ١٢٤.