وكلامه وكلام كلّ من برّر كون الجماعة سنّة ، دالّ على أنّ للخلفاء حقّ التشريع والتسنين ، أو للخليفتين فقط.
إنّ هؤلاء الأكابر مع اعترافهم بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يسنّ الاجتماع ، برّروا إقامتها جماعة بعمل الخليفة ، ومعناه أنّ له حقّ التسنين والتشريع ، وهذا يضاد إجماع الأمّة ، إذ لا حقّ لإنسان أن يتدخّل في أمر الشريعة بعد إكمالها ، لقوله تعالى :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (١) وكلامه يصادم الكتاب والسنّة ، فان التشريع حقّ الله سبحانه لم يفوّضه لأحد والنبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم مبلّغ عنه.
أضف إلى ذلك : لو كان للخليفة استلام الضوء الأخضر في مجال التشريع والتسنين ، فلم لا يكون لسائر الصحابة ذلك الضوء مع كون بعضهم أقرأ منه كأبي بن كعب ، وأفرض كزيد بن ثابت ، وأعلم كعليّ بن أبي طالب عليهالسلام؟! فلو كان للجميع ذلك الضوء ، لانتشر الفساد وعمّت الفوضى أمر الدين ويكون الدين العوبة بأيدي غير المعصومين.
وأمّا التمسّك بالحديثين ، فلو صحّ سندهما فإنّهما لا يهدفان إلى أنّ لهما حقّ التشريع ، بل يفيدان لزوم الاقتداء بهما لأجل أنّهما يعتمدان على سنّة النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لا أنّ لهما حقّ التسنين.
نعم يظهر ممّا رواه السيوطي عن عمر بن عبد العزيز أنّه كان يعتقد أنّ للخلفاء حقّ التسنين ، قال : قال حاجب بن خليفة : شهدت عمر بن عبد العزيز
__________________
١. المائدة : ٣.