ثمّ إنّ الشوكاني ممّن يؤيّد تفسير الجمع بالجمع الصوري ، وأيّده بوجوه ثلاثة :
الأوّل : ما أخرجه مالك في الموطّأ والبخاري وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود ، قال : ما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى صلاة لغير ميقاتها إلاّ صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة وصلّى الفجر يومئذ قبل ميقاتها.
قال الشوكاني : نفى ابن مسعود مطلق الجمع وحصره في جمع المزدلفة ، مع أنّه ممّن روى حديث الجمع بالمدينة كما تقدّم ، وهو يدلّ على أنّ الجمع الواقع بالمدينة جمع صوري ، ولو كان جمعا حقيقيا لتعارض روايتاه والجمع ما أمكن المسير إليه هو الواجب. (١)
يلاحظ عليه أوّلا : أنّه لا يحتجّ به ، لأنّه حصر الجمع في المزدلفة مع تضافر الروايات على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع في المزدلفة وعرفة ، فالحديث متروك الظاهر لا يعرّج عليه ، ولا يصحّ قرينة على المراد من الجمع في روايات المقام.
وثانيا : انّ ابن مسعود نفسه روى جمع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بين الصلاتين في المدينة وقال : جمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقيل له في ذلك ، فقال : صنعت ذلك لئلاّ تحرج أمّتي. (٢)
وقد عرفت أنّ الجمع الصوري أشدّ حرجا من الجمع الحقيقي ، فإنّ معرفة أواخر الأوقات وأوائلها على وجه الضبط كان مشكلا في الأعصار السابقة ، فلا
__________________
١. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار : ٣ / ٢١٧. وفي المصدر « المصير » مكان « المسير ».
٢. لاحظ الرواية برقم ٣٠.