الصريحة الواضحة الدلالة ، وفرضوا مذهبهم عليها ، الأمر الذي أوقعهم في حيص بيص ومأزق ، وطرقوا كافة الأبواب للخروج منه وتشبّثوا بوجوه استحسانية لا تغني عن الحقّ شيئا.
لما استشعر صاحب المنار ، بأنّ الآية ظاهرة في مسح الرجلين باليد المبلّلة بالماء حاول صرف الآية عن ظاهرها بالتمسّك بالمصالح ، وقال :
لا يعقل لإيجاب مسح ظاهر القدم باليد المبلّلة بالماء حكمة ، بل هو خلاف حكمة الوضوء ، لأنّ طروء الرطوبة القليلة على العضو الذي عليه غبار أو وسخ يزيده وساخة ، وينال اليد الماسحة حظ من هذه الوساخة. (١)
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره استحسان لا يعرّج عليه مع وجود النص ، فلا شك أنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الواقعية ولا يجب علينا أن نقف عليها ، فأي مصلحة في المسح على الرأس ولو بمقدار إصبع أو إصبعين حتى قال الشافعي : إذا مسح الرأس بإصبع واحدة أو بعض إصبع أو باطن كفه ، أو أمر من يمسح له أجزأه ذلك؟!
وهناك كلمة قيّمة للإمام شرف الدين الموسوي نأتي بنصها ، قال ـ رحمهالله ـ : نحن نؤمن بأنّ الشارع المقدّس لاحظ عباده في كل ما كلّفهم به من أحكامه الشرعية ، فلم يأمرهم إلاّ بما فيه مصلحتهم ، ولم ينههم إلاّ عمّا فيه مفسدة لهم ، لكنّه مع ذلك لم يجعل شيئا من مدارك تلك الأحكام منوطا من حيث المصالح والمفاسد بآراء العباد ، بل تعبّدهم بأدلّة قويّة عيّنها لهم ، فلم يجعل لهم مندوحة
__________________
١. تفسير المنار : ٦ / ٢٣٤.