وذلك انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام ، فتشاغل رجل من أصحابه حتى أعيدت الأصنام ، فجاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقيل له : إنّ فلانا لم يطف وقد أعيدت الأصنام ، فنزلت هذه الآية ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) أي والأصنام عليهما ، قال : فكان الناس يسعون والأصنام على حالها. (١)
ويجري نفس هذا الكلام في المقام ، فان قصر الصلاة وتبديلها إلى ركعتين من الأمور التي يتحرّج به المسلم ويتصوّر انّه ترك للفريضة ، ففي هذه الظروف يقول سبحانه ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ).
وعلى ضوء هذا فالآية لا تدلّ على العزيمة ولا على الرخصة ، بل هي ساكتة عن هذا الجانب.
إلى هنا تبين انّ الآية لا تدلّ على أحد الأقوال ، فلا محيص من الرجوع إلى السنّة.
دلّت السنّة المتضافرة المبثوثة في الصحاح والسنن والمسانيد على أنّ القصر عزيمة ، وكان النبي يقصر في عامّة أسفاره ، فنذكر من الكثير ما يلي :
١. أخرج مسلم عن عائشة زوجة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم انّها قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرّت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر. (٢)
قال الشوكاني : وهو دليل ناهض على الوجوب ، لأنّ صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين لم تجز الزيادة عليها كما أنّها لا تجوز الزيادة على الأربع في الحضر.
__________________
١. مجمع البيان : ١ / ٢٤٠ في تفسير الآية.
٢. شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ٢٠١ ؛ وصحيح البخاري : ٢ / ٥٥ ، باب يقصر إذا خرج من موضعه من كتاب الصلاة.