( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) ، ولكنّه غفل عن أنّ هذا التعبير لا يدلّ على مقصوده ، لأنّ الآية وردت في مقام رفع توهم الحظر ، فكأنّ المخاطب يتصوّر انّ القصر إيجاد نقص في الصلاة وهو أمر محظور ، فنزلت الآية لدفع هذا التوهم ، لتطيب النفس بالقصر وتطمئن إليه. (١)
وليس ذلك بغريب فقد ورد مثله في قوله سبحانه ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ). (٢)
فان المسلمين لمّا أرادوا الطواف بين الصفا والمروة في عمرة القضاء شاهدوا وجود الأصنام فوق الصفا والمروة ، فتحرّج المسلمون من الطواف بينهما ، فنزل قوله سبحانه ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ).
يقول الطبرسي : كان على الصفا صنم يقال له : إساف وعلى المروة صنم يقال له : نائلة ، وكان المشركون إذا كانوا بهما مسحوهما ، فتحرّج المسلمون عن الطواف بهما لأجل الصنمين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهو منقول عن الشعبي وكثير من العلماء ، فرجع رفع الجناح عن الطواف بهما إلى تحرّجهم عن الطواف بهما لأجل الصنمين لا إلى عين الطواف ، كما لو كان الإنسان محبوسا في موضع لا يمكنه الصلاة إلاّ بالتوجه إلى ما يكره التوجه إليه من المخرج وغيره ، فيقال له : لا جناح عليك في الصلاة إلى ذلك المكان ، فلا يرجع رفع الجناح إلى عين الصلاة ، لأنّ عين الصلاة واجبة وإنّما يرجع التوجّه إلى ذلك المكان.
ورويت رواية أخرى عن أبي عبد الله عليهالسلام انّه كان ذلك في عمرة القضاء ،
__________________
١. الكشاف : ١ / ٢٩٤ ، ط دار المعرفة.
٢. البقرة : ١٥٨.