الثاني : الاختلاف في توالي الليالي وعدمه ، فصريح رواية البخاري : « انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي بصلاته ناس ثمّ صلّى من القابلة » انّ الليالي كانت متوالية ، وصريح رواية أبي ذر انّها كانت غير متوالية ، فقد صلّى معهم في الليلة الرابعة والعشرين ، والسادسة والعشرين ، والثامنة والعشرين.
الثالث : الاختلاف في مواضع الليالي ، فالمتبادر من أغلبها أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى بهم في أوائل الشهر ، وصريح رواية أبي ذر انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى بهم في العشر الآخر.
ومع هذا الاختلاف كيف نؤمن بصحّة ما فيها من المضامين؟!
إنّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها » يعرب عن أنّ التشريع تابع لإقبال الناس وأدبارهم ، ولا أقلّ لإقبالهم ، فلو أظهر الناس رغبتهم إلى العمل ربّما يفرض عليهم مع أنّ الملاك في فرض شيء على كلّ الناس ، هو وجود مصلحة ملزمة في الشيء ، سواء أكان هناك رغبة من الناس أم لا ، فتشريعه سبحانه ليس تابعا لرغبة الناس أو أعراضهم وإنّما يتبع الملاكات الواقعية ، فالمصلحة الملزمة تستتبع تشريعها ، وعدمها عدمه ، ولمّا وقف شراح الصحيحين على هذا الإشكال مالوا يمينا ويسارا لحلّه.
قال ابن حجر في شرح جملة : « إلاّ انّي خشيت أن تفرض عليكم » انّ ظاهر هذا الحديث انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم توقع ترتّب افتراض الصلاة في الليل جماعة على وجود المواظبة عليها ـ ثمّ قال : ـ وفي ذلك إشكال.
إنّ ابن حجر وإن أحجم عن بيان مقصوده من الإشكال ولكن يمكن أن يكون إشارة إلى أمرين :