عيون وأشجار وزروع ، وليس فيها زارع ولا فلاح ولا أحد من الناس ، فنزلنا وشربنا وسقينا دوابنا ، وأقمنا الى بعد العصر ثم تزودنا وارتوينا ، وما معنا من القرب ورحنا راحلين . فلم نبعد أن عطشتُ وكان لي مع بعض غلماني كوز فضة يشده في منطقته . وقد استسقيته فلجلج لسانه بالكلام ، ونظرتُ فإذا هو قد أنسي الكوز في المنزل الذي كنا فيه . فرجعت أضرب بالسوط على فرس لي جواد سريع وأغذ السير ، حتى أشرفت على الوادي فرأيته جدباً يابساً ، قاعاً مَحْلاً ، لاماء فيه ولا زرع ولاخضرة ، ورأيت موضع رحالنا وروث دوابنا وبعر الجمال ومناخاتهم ، والكوز موضوع في موضعه الذي تركه الغلام ! فأخذته وانصرفت ولم أعَرِّفْه شيئاً من الخبر . فلما قربت من القطر والعسكر وجدته عليهالسلام واقفاً ينتظر فتبسم صلى الله عليه ولم يقل لي شيئاً ، ولا قلت له سوى ما سأل من وجود الكوز فأعلمته أني وجدته !
قال يحيى : وخرج في يوم صائف آخر ونحن
في ضحو وشمس حاميةٌ تُحرق ، فركب من مضربه وعليه ممطر ، وذنبُ دابته معقودٌ وتحته لبدٌ طويل ، فجعل كل من في العسكر وأهل القافلة يضحكون تعجباً ويقولون : هذا الحجازي ليس يعرف الرأي ، فما سرنا أميالاً حتى ارتفعت سحابة من ناحية القبلة وأظلمت وأظلتنا بسرعة ، وأتى من المطر الهاطل كأفواه القرب ، فكدنا أن نتلف وغرقنا حتى جرى الماء من ثيابنا الى أبداننا وامتلأت خفافنا ، وكان أسرع وأعجل من